الصّمت والموت


 


ومن الوجوه المرعبة للصّمت، هو ذاك الّذي يحضر بقوة شرسة في سيرورة ألم كحداد مؤقّت أو دائم للذّات. ولهذا يعسر القول، حيث تبدو اللّغة عاجزة عن ترجمة المواقف الصّعبة في المرارة والانفصال والموت، كمديّة في الرّوح تحبط إمكانيّة الكلام، وينهار الفكر لتنتصر الانفعالات الرّهيبة المولّدة للعذاب المخنوق في الأنين والدّموع، أو في الصّمت السّادر الأقرب إلى تخوم الموت، إذ لا شيء في الحركة أو الكلام يقوى على خدش سطوة الصّمت الّتي تحفر في الأعماق مخلخلة كلّ التّوازنات والخيارات، بنوع من الرّيبة والحيرة والارتباك في معرفة الخطوة المناسبة إزاء المسكوت عنه في وضعيات مرعبة أمام تهديد الموت الّذي يجعل الكلام عسيرا وصعب المنال. وعندما يرخي الموت سدوله وهو يعلن نهاية الإنسان، يسود الصّمت المستحيل على القول.” عند قرب الموت يصاب الكلام بالاختناق، ويتبدّد في الصّمت أو ينشرخ في الصّرخة…يتفكّك الكلام ويستدعي بالأحرى الخرس… تتفكّك الشّاشة الهشّة للكلمات أمام المستحيل على القول، وفي تأجج يخنق الحلق كما لو كان ذلك للإفصاح عن تفاهة الكلام. وفي مثل هذا الموقف تختلف الجماعات والمجتمعات في السّبل الّتي تسلكها للتّغلب على الفاجعة. إمّا بالغرق في صمت رهيب يعزل الإنسان عن ذاته والآخرين حسب ما تمليه التّصوّرات والمعتقدات، أو بالتّحرّر من سطوة صمت الفاجعة بأشكال مختلفة من الطّقوس والتّعبيرات الشّعبيّة لكسر الصّمت، والاعتراف بالإنسان في حياته ومرضه، وموته وألمه ومشاركته سرّ عذابه لمد الجسور والارتباط من جديد بالحياة بالاندماج في الرّابطة الاجتماعيّة.


لحسن أوزين \ هكذا قرأت كتاب الصّمت

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة دوستويفسكي إلى اخيه ميخائيل بعد أن نجى من الاعدام بأعجوبة

قبل بزوغ الشمس \ فريدريك نيتشه

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

الجمر البري \ نيكيتا جيل

تجنب الألم \ فيليب فان دان بوسش

على الطريق \ فريدريك نيتشه

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

كتاب مت فارغا \ تود هنري

تسلية أنفسنا حتى الموت \ نيل بوستمان

عندما تحب روحًا عتيقة \ لويزا فليتشر