الطــاعون \ ألبير كامو
ورد الدكتور وهو يفحص صدر مريضه الذي يضطرب بالشخير-:
-لقد مات.
فتوقف العجوز بعض الوقت مبهوتا، ثم قال: آه!
وأضاف ريو:
-بالطاعون.
وقال العجوز بعد لحظة:
-نعم، ان خير الناس هم الذين يذهبون. هذه سنة الحياة، ولكنه كان رجلا يعرف ما يريد.
وقال الطبيب وهو يعد وضع سماعته:
-لماذا تقول ذلك؟
-للاشيء.. انه لم يكن يتكلم دون جدوى، وأيا ما كان، فقد كان يعجبني أنا شخصيًا، ولكن هذه حال الدنيا. ان الناس يقولون: "انه الطاعون، لقد حل بنا الطاعون". ومن أجل ذلك يكادون يطالبون بالنياشين. ولكن ما معنى هذا؟ ما معنى الطاعون؟ انها الحيـــــــــــاة، هذا كل ما في الأمر.
وقال الطبيب:
-ضع كماداتك بانتظام.
فرد عليه العجوز بقوله:
-لا تخش شيئًا، فان الوقت ما زال أمامي طويلًا، وسأرى جميع من حولي يموتون قبلي، وأما أنا فأعرف كيف أعيش...
والواقع أن ريو كان ينصت إلى صيحات الفرح تتصاعد من المدينة، فيذكر أن ذلك الفرح ما زال مهددًا، لأنه كان يعرف ما تجهله تلك الجموع المبتهجة، وما يمكن قراءته في الكتب من أن جرثومة الطاعون لا تموت ولا تختفي أبدًا، وأنها قد تظل عشرات السنين نائمة في الأثاث والفرش، وان تنتظر -في صبر وأناة- في الغرف والأقبية والحقائب والمناديل والاوراق القديمة، وأنه ربما يأتي يوم يوقظ فيه الطاعون فئرانه، ويبعث بها إلى الناس من أجل شقائهم وتعليمهم، لكي يختطفهم الموت من بين أحضان مدينة سعيدة.
تعليقات
إرسال تعليق