حوافز السلوك \ دانيال لاجاش


 



لا يقصد بالسلوك هنا المظاهر الخارجية و المادية البحتة ، بل هو جملة الأفعال الفيزيولوجية و النفسية و الذهنية و الكلامية و الحركية التي يقوم بها شخص في صراعه مع بيئته لمحاولة حل التوترات التي تحفزه ، و لتحقيق امكانيته . و الخاصية الأساسية للسلوك هي أن له معنى ، أي ميزة تنحصر في أن الأفعال التي يتضمنها السلوك تترابط و تخفض التوترات التي تحفزها ، و يشتمل على الخبرة الشعورية ، و هي ضرب رمزي من السلوك يحل محل الفعل المادي أو يمهد له ، كما يشتمل السلوك على التواصل ، أعني ذلك المظهر الأساسي لتفاهم الشخص مع بيئته (.....) أما الحافز ، فهو حالة من التفكك و التوتر تحرك العضوية ( الجسم ككل ) التي لا تهدأ حتى تُخفض ( اي تحط او تقلل )  التوتر و تستعيد وحدتها ( مبدأ الثبات) ، و قد سبق أن رأينا أن المصدر الأخير للحفز في رأي التحليل النفسي هي الدوافع التي تكيفها الخبرة الفردية و التنشئة الاجتماعية ، و يتجلى الحفز في صورتين رئيسيتين : الحاجات و الانفعالات ، و تتفاوت الحاجات تفاوتا كبيرا من حيث القوة و الطبيعة . فهناك حاجات فيزيولوجية ، و حاجة الى الأمن ، و حاجة الى الحب ، و حاجة الى التقدير ، و حاجة الى المعرفة و الفهم و حاجة الى الألم ، و حاجة الى العقاب ... و تكون هذه الحاجات - و هي المظاهر الملموسة للدوافع - أكثر مرونة بقدر ما يكون اشباعها أقل ضغطا و ضرورة بالنسبة لبقاء العضوية. فالحاجات الجنسية و الحاجة إلى الحرية مثلا تكون أكثر مرونة إلى حد بعيد من الحاجة إلى التنفس . و يصاحب ظهور الحاجات لون من الانفعال يتدرج بين اللذة و الألم ، تبعا لما يتوقعه الأنا من اشباع أو احباط ( يقال أيضا التثبيط حالة للعضوية تحدث حين يصعب أو يستحيل ارضاء دوافعها أو حوافزها ) . فلفظ ( الرغبة ) ينطبق بالخصوص على الحاجة التي تربط بهدف و بموضوع كفيل بتحقيق هذا الهدف . اما ( الطلب فيشير إلى اندراج الرغبة في العلاقة مع الغير . و يقابل الرغبة النفور . إن التحليل النفسي يهتم بصفة خاصة بالانفعالات الأليمة ذات الصلة الوثيقة بحاجات هامة . و المثل النموذجي لهذه الانفعالات هو الحصر أو القلق المتصل بالحاجة إلى الأمن . و يختلط القلق في صوره الأكثر بدائية مع كل حالة من التوتر و التهيج المفرطين ، يتجاوزان إمكانيات العضوية للاستجابة ( حالة ناتجة عن الصدمة ) . و في مرحلة ثانية ، تنقص شدته و يتحول الى نذير بالخطر يستخدمه الأنا في الدفاع و اذا اخفقت اجراءات الدفاع ، فإن الأنا يغلب على امره و يعتريه الذعر . فالشعور بالاثم عدهو قلق الضمير الذي يطرأ عندما لا يستجيب الشخص الى متطلبات الأنا الأعلى الذي هو المثل الباطني للسلطة الأخلاقية . و ثمة انفعالات مؤلمة أخرى مثل القلق و الشعور بالاثم تكون حوافز دفاعية تطلق عنان النشاط الدفاعي للأنا.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلُّه نكتة كونيّة \ روبرت أدمز

رسالة دوستويفسكي إلى اخيه ميخائيل بعد أن نجى من الاعدام بأعجوبة

قبل بزوغ الشمس \ فريدريك نيتشه

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

على الطريق \ فريدريك نيتشه

قرد في الأكاديمية \ فرانز كافكا

كتاب مت فارغا \ تود هنري

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

الجمر البري \ نيكيتا جيل

تجنب الألم \ فيليب فان دان بوسش