إمبراطورية الوهم \ كريس هيدجز

 






في كتابه "الجمهورية"، يتخيّل أفلاطون البشر مقيّدين طيلة حياتهم في كهفٍ تحت الأرض، ولا يعرفون سوى الظلام. عيونهم مصوّبة على جدار الكهف، الذي تتحرّك عليه ظلال ناتجة عن نار تستعر خلفهم. إنّهم يعتقدون أنّ هذه الظلال الوامضة هي الحقيقة، ويقول أفلاطون: إذا ما أطلِقَ سراح أحد هؤلاء السجناء وتمكّن من الخروج إلى ضوء الشمس، فسوف يعاني ألماً عظيماً في البداية. فقد أعماه الوهج، ولم يتمكّن من رؤية أي شيء لذلك يتوق إلى الظلام المألوف. لكن في نهاية المطاف تتكيّف عيناه مع الضوء؛ لقد تلاشى وهم الظلال الصغيرة. إنّه يواجه الواقع العظيم والفوضى ومشاعر الارتباك. لم يعد العالم مُختزلاً إلى مجرّد صورة ظلية بسيطة. لكنه سيُقابل بازدراء وسخرية، كما أنّه لن يكون قادراً على الرؤية داخل الكهف. فالذين لم يغادروا الكهف يسخرون منه، ويُقسمون ألا يخرجوا إلى النور حتى لا يصابوا بالعمى أيضاً.

كان أفلاطون يخشى من تأثير التسلية والتفاهة، ومن هيمنة الحواس على العقل، ومن غلبة العاطفة على العقل. لم يكن أفلاطون من المعجبين بالديمقراطية الشعبيّة، فقد قال إنّ المستنيرين أو أهل النّخبة يتحمّلون  مسؤولية تعليم هؤلاء الذين سحرتهم الظلال على جدار الكهف، وهو الموقف الذي دفع سقراط إلى التّهكم والسخرية: "أمّا بالنّسبة للرجل الذي حاول تحريرهم وقيادتهم إلى الأعلى، فلو استطاعوا الإمساك به والقبض عليه، لأجهزوا عليه وقتلوه".

نحن مقيّدون بالظلال البرّاقة والمتلألئة لثقافة المشاهير، وأسرى إعلامهم، ومشاهدتهم في الكرنفالات وعلى البسط الحمراء، وأخبارهم في الإذاعات ومواقع التواصل الاجتماعي، وأكاذيبهم وخياناتهم، والدراما الشخصية الخاصة بهم والتي لا نهاية لها، وأغلبها خيالي ومفبركة من أجل جذب المشاهدات، حيث أصبحت المادة الأساسية في الأخبار والصحافة الصفراء ومواقع التواصل، وخرافات العصر الجديد، وسيكولوجيا الجماهير الشعبية. 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلُّه نكتة كونيّة \ روبرت أدمز

رسالة دوستويفسكي إلى اخيه ميخائيل بعد أن نجى من الاعدام بأعجوبة

قبل بزوغ الشمس \ فريدريك نيتشه

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

على الطريق \ فريدريك نيتشه

قرد في الأكاديمية \ فرانز كافكا

كتاب مت فارغا \ تود هنري

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

الجمر البري \ نيكيتا جيل

تجنب الألم \ فيليب فان دان بوسش