اليَائِـسُ العَظيـمُ \ صلاح بو سريف
آهٍ ! لَوْ وُلِدْنَا قَبْلَ الإنْسَانِ [1] إميل سيوران، من الكُتَّاب الذين أعُودُ لقراءتِهم باستمرار. منذ مُوَاجَهَتِي الأولى لبعض أعماله، وَجَدْتُ نفسي أكثر اقتراباً من هذا اليائس العظيم. ربما كان هذا الانْجِذاب نحو سيوران، يعود إلى قراءتي المُتوالية لأعمال نيتشه. لا أحدَ يستطيعُ قراءة سيوران، دون أن يسترجع أعمال نيتشه، وبعض آرائه، فيما سيذهبُ إليه سيوران نفسه، في مفهوماته لتي ارتبطت بطريقة النظر في الأشياء. لعلَّ في بعض اليأس، وفي الميل إلى العُزلة والتَّوَحُّدِ، التي تأخُذُني، ما جعل قراءتي لسيوران لا تنقطع. قد أُؤَجِّلُ هذه القراءة لبعض الوقت، أو أنْشَغِلُ عن صديقي هذا، بأمور أخرى، لكن حالما أجد نفسي في حاجة إلى اسْتِشَارَتِهِ، أو إلى مُؤَانَسَةِ عُزْلاتِهِ، والتَّوَحُّدِ في غَيْبوبَاتِهِ التي تأتي من مصدرين أساسيين في المعرفة، وفي إنعاش الروح، وتوكيد رهافتها؛ الموسيقى والشِّعر، أعودُ إليه، مُنْصِتاً إلى كَرَمِهِ في المعرفة، والكتابة. [2] لم يكن سيوران مأخُوذاً بجغرافية مُحَدَّدّة، فهو كان مُواطناً عالمياً. كان يقيس "وجوده"، أو هذا "العدم" الذي فيه كان يَتَبَ...