سكيزوفرينيا


 

هُوَ.. عاجِزٌ عن مَعرفةِ كَيفَ يَعيش.!!

يَقطُنُ خَلفَ جُمجمتهِ الهَشّة.. إزعاجٌ وَحشيّ.. تَشويشٌ لامُنقطعٌ بِكُلِ بَلادَة.. وَحشٌ مُستبِد وقَبيح.. والذي أسموهُ "سكيزوفرينيا.!!".. يُحدِقُ في وَجههِ على مَدارِ يَومِه المُتباطىء.. وفي حَضرَتِهِ تُصبِحُ حتى أبسطَ المَهام شديدة الصعوبَة..

هُوَ.. عاجِزٌ كُليًا عن ترويضِ هذا الوَحش أو تخديرِهِ بِشَكلٍ تامْ.. عاجِزٌ عن الهُروب مِن جَحيمِهِ المُستَعِر.. والذي يَتجاوزُ لُغة الكَلامْ.. فقط جائِعٌ للخروج مِن ذاتِه.. والسَير نَحوَ حَتفِه عاريًا.. السَير "مُرغمًا" لِيُشبع رغبتهُ الجُنونيّة في الإنتهاء..

هُوَ.. كَانَ يَوَدُ إطفاءَ رأسهِ اللعين.. أو أن يَستبدلهُ بِجذعِ شجرةٍ أو حَجَر.. أن يَستبدلهُ إلى أيّ شيءٍ آخرَ سِوى رأسِه.. وأن تتقطّعَ جَميع جُذورِ روابطِ دِماغِهِ البيولوجيّة..

أن يَتجرَّدَ مِن وحشيّة مَشاعرِهِ وأفكارِهِ وبَشَرِيّتِهِ التي تُثير غَثيانَهُ وإشمئزازه..

أن يَختفيَ بِصمتٍ.. دونَ أن يَلحَظَ حتى هُوَ ذلك..

أن يَتحوّل إلى مَوجَةِ بَحرٍ وحيدة.. تَتَكسّرُ فوق صخرةٍ صَمّاءَ في الظُلمَة..

أو وَرقةَ خريفٍ جَافّة.. أقصى ضَوضاءِ وُجودِها هُو صَوتُ تَفَتُتِها أسفَلَ قَدَمِ أحدِ المَارّةِ المَشغولِ بِمُكالمةٍ هاتفيّة..

أو ربما جِلدُ أفعى مُستهلَكْ.. مُلقى في وَسَطِ غابةٍ ضبابيّةٍ مَجهولة..

أو غيمَةُ ليلٍ لا يَلحَظُ وُجودَها أحد.. تبتلعها شَمسُ صَباحٍ صَيفيٍّ حار..

أو أن يَكونَ مُجرّدَ سَمكةٍ يُمزِّقُ أحشائها طائِرٌ جَائِع.. وَبِلا عاطِفَةٍ إلى أشلاء..

هُوَ.. كَانَ يَوَدُ إلغاءَ فِكرةَ وُجودِهِ.. وبأن لا يَكونَ شَيئًا ما.. أن يتخلّص من هذا الخَلل القابِع تحت جِلدِهِ كَ غُدّةٍ سرطانيّةٍ شَرِسَة.

وَعلى طريقتهِ الخَاصّةِ والمأساويّة.. حَطَّمَ أعصابَهُ أولًا..

فَ لَمْ يَبقى مِنهُ إلّا الإسمُ والشَكلْ.. باهِتًا.. فارِغًا.. آلِيًّا.. لا يَشعرُ بِشيء..

هُوَ.. كَانَ حَزينًا جِدًا.. يَتأمّلُ حَياتَهُ في دَورَتِها الدائمةِ من الهُراء المُحبِطِ والمُرهِق والرَتيب.. ويَعلمُ بأنها لَن تختلِفَ أبدًا بالنسبة له..

ضَجيج.. حُزن.. ضَجيج.. حُزن.. يُريد أن يَنتهِيَ الأمر فقط..

أن يَتلاشى.. أن يَشُقَ بابًا في جَسدهِ ويَهربَ نَحوَ اللاشيء.. نَحوَ فراغٍ صامت.. كَأن يَتِمَ إبتلاعهُ كَ حَجرٍ راكِدٍ في قَعرِ مُحيطٍ مُظلمٍ وبارد..

هُوَ.. كَانَ يَوَدُ قَتلَ نَفسهِ.. فقط.. لأنهُ أرادَ أن يَعيش.!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسالة دوستويفسكي إلى اخيه ميخائيل بعد أن نجى من الاعدام بأعجوبة

قبل بزوغ الشمس \ فريدريك نيتشه

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

الجمر البري \ نيكيتا جيل

تجنب الألم \ فيليب فان دان بوسش

على الطريق \ فريدريك نيتشه

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

كتاب مت فارغا \ تود هنري

تسلية أنفسنا حتى الموت \ نيل بوستمان

عندما تحب روحًا عتيقة \ لويزا فليتشر