عالم جديد شجاع / ألدوس هكسلي
يقولون: إنَّ الخوف من الموت، وما يتبعه هو ما يلجئ الناس إلى الدين، كلما تقدّموا في العمر، ولكن من تجربتي أيقنت أنّه بجانب شعور الرعب، أو التخيلات الميتافيزيقية؛ فإنَّ الشعور الديني ينمو بداخلنا مع تقدمنا في العمر؛ لأنّه مع هدأة العواطف واستقرار الأحاسيس وصعوبة استثارة الهوى والنزوات يصبح العقل أكثر قدرة على إعمال الفكر دون مشاكل، ولا تشوش تسببه الصور والخيالات والرغبات والإلهاءات التي كان مستغرقاً فيها من قبل، وعندئذ يتجلّى له الرب كأنّما يخرج عليه من وراء سحابة، فتشعر به روحه وتراه فتتزكى وتتوجه إلى مصدر كل ضياء، تتوجّه إليه فطرياً لا مندوحة لها عنه الآن، وقد بدأ يتلاشى كل ما كان يعطي الحيوية والسحر لعالم الأحاسيس تاركاً إيّانا في خواء، الآن وقد أصبح الوجود المحسوس لا داعم له من الانطباعات الداخلية أو الخارجية شعرنا بحاجتنا للارتكان إلى ثابت، إلى كيان لا يتلاعب بنا ولا يغشنا، إلى واقع راسخ، إلى حقيقة مطلقة أزلية أبدية. نعم ؛ إِنّنا في النهاية نتجه إلى الرب لا محالة، وتلك العاطفة الدينية شديدة النقاء في طبيعتها شافية ومبهجة للروح التي تذوق حلاوتها، حتى إنّها تعوضها عن كل فقَد .
تعليقات
إرسال تعليق