مُقْتَطَف من رائعة أحدب نوتردام / ڤيكتور هوجو
الصُّورة للأحدب كوازيمودو قارع أجراس كنيسة نوتردام في فرنسا-باريس كان القاضي مصاباً بالصَّمم ، وهذا نقصٌ غير خطير ! والثَّابت يوْمذاك أنَّ في إصغاء القاضي ما يكفي للقيام بوظيفته . وقد كان قاضينا المحترم يقوم بهذه الوظيفةِ خيرُ قيام ، فالمهم ألا يُشغَلَ بأيَّة ضجَّةٍ عمَّا ينصرف إليه من محاكمة النَّاس . ــ ( انتبه ، يا روبان ! ما هذا الذي يُدخلونه؟! إنَّه خنزيرٌ برِّي ! إنَّهُ أحدب نوتردام ! إنَّهُ كوازيمودو ! ) صاحَ جوهان الذي كان حاضراً في المحكمة . والحقّ أنَّهُ لم يكُن غير كوازيمودو ، مقيَّداً مجروراً وتحت حراسةٍ جيِّدة ، ولم يكُن فيه شيءٌ يُلفتُ النَّظر غير بشاعته التي وحدها مَنْ يبرِّر جلبهُ إلى المحكمة . كان قاتماً صامتاً مطمئنَّاً ، فلا تكاد عينُه الوحيدة تُلقي نظراتها السَّاخرة الغاضبة فوق الأربطة التي تثبِّته . في هذه الأثناء كان القاضي يتصفَّح ملف الشَّكوى المقدَّمة ضد كوازيمودو الأحدب ، ثم لم يلبث أن بدا في هيئة المتبتّل المستغرِق في تفكيره . وبفضل هذا الإحتياط استطاع دائماً أن يعرف اسم المتَّهم وصفته وعمره ويهيء الأسئلة المنتَظرة والإجابات في حدود ما يتخيَّلها ، وهكذا حالَ دون أن يشعر الناس بصممه . ثمَّ شَرَعَ في تحقيقه مع الأحدب قائلاً : ( اسمك؟ ) . وبقي كوازيمودو الذي لم يسمع شيئاً بسبب صممه ، صامتاً دون جواب ، وقد ثبَّتَ نظراته البلهاء في القاضي . ظنَّ القاضي أن المتَّهم قد أجاب فهو يجْهل أنَّ متهمه أصم مثله . أردف القاضي : ( عمرك؟ ) . سكتَ كوازيمودو أيضاً ، واعتقد القاضي أنَّهُ قد حصَلَ على الإجابة . ـ ما هي وظيفتك ؟ وشاعَ صمتُ كوازيمودو كالمرَّتين السَّابقتيْن ، وبدأ النَّاس يتهامسون ويتبادلون النَّظرات . وتابع القاضي : ( إنَّك مُتَّهمٌ أمامنا : أوَّلاً بإثارة الإضطِّراب أثناء الليل ، ثانياً باعتداءٍ على امرأةٍ مجنونة ، ثالثاً بالعصيان على الرّماةِ من حرس الملك العظيم . ما هو ردُّكَ ؟ أيُّها الكاتب هل سجَّلتَ أقوال المتهم كلها ؟ ) . وانفجرتْ بعد السُّؤال الأخير سلسلةٌ من القهقهات القويَّة الصَّارخة بين الحاضرين والكاتب ، ورغم ذلك لم يستطع أيٌّ من القاضي والأحدب أن يسمعا شيئاً منها . اعتقد القاضي أنَّ النَّاس ضحكوا لصدور جوابٍ وقحٍ عن المُتَّم فحدجه بنظرةٍ غاضبةٍ ثائرة . ـ ( لقد أجبتَ أيُّها الأبله بجوابٍ يستحق الجلْدَ ! هل تعرف مع مَنْ تتحدث ؟ ) . هنا انطلقت الضّحكات أكثر قوَّةً وعُنفاً ، وامتدَّتْ حتَّى بلغت الدّهليز الخارجي فارتسمتْ البسمات على شفاه حرس الأبواب . وظنَّ القاضي أن عقاباً صارماً يُنزله بالأحدب جدير بإشاعةِ الصَّمتِ والخوف في قلوب الناس والمتَّهم . في هذه الأثناء دخل قاضي باريس الأوَّل ، فالتفتَ القاضي الأصم إليه مطالباً بعقوبةٍ شديدةٍ تُدخِل السُّرور في نفسيهما ضدّ الأحدب لجرأته على العدالة وتحدّيه القضاء . قطَّب القاضي الأوَّل حاجبيه ، ووجَّه كلامه إلى المتَّهم الأصم : ( ما الذي صنعتَه فجاءَ بك إلى هنا أيُّها التَّافه ؟ ) . أجاب الأحدب الذي ظنَّ أن القاضي الأوَّل يسأله عن اسمه : ( كوازيمودو ) . انطلقت ضحكات النَّاس من جديد ، فأردفَ القاضي الأول : ( هل تهزأ بي أيُّها السخبف ؟ ) . أجاب كوازيمودو ( أعمل قارع أجراس كنيسة نوتردام ) . انفجر غضب القاضي الأول الذي قال : ( أحكم بجلدكَ في ساحةٍ من ساحات باريس ) . أجاب كوازيمودو المسكين : ( سأبلغ تمام العشرين في عيد القديس مارتان ) . وهُنا لم يعُد القاضي الأوَّل قادراً على الإحتفاظ بهدوئه : ( آه ! أوَ تهزأ بالقضاء ، أيُّها البائس؟ أيُّها الحرس ، خذوا هذا الرَّجل واربطوه إلى وتد التَّعذيب في ساحة ( جريف ) ، ثمَّ اضربوه بالسُّوط المُسنَّن ، واتركوه بعدَ ذلك يُطاف به تشهيراً له و زِرَايةً به ) .
تعليقات
إرسال تعليق