الاعتراف \ عبد الرحمن شكري
يخيل لي في بعض الأحايين أن قد قرب أجلي وحان حَيني، فأخشى أن يمنعني الموت من بلوغ آمالي وأطماعي. ولكني أرجع إلى نفسي فأرجو أن أجد في الموت ما لم أجده في الحياة من الطمأنينة والسكينة. وماذا عليَّ إذا عاجلني الموت دون وطرٍ لم أصبه، ومطمح للنفس لم تبلغه، وعرفان لم أعرفه؟ وماذا عليَّ إذا لم تجد الديدان إذا بحثت في رأسي معنًى ما اجتبيته أو علمًا ما درسته؟ وما قيمة الأطماع والأوطار والعلوم والفنون والآداب لدى الموت؟ أليس الموت حقيقة الحقائق؟ غير أن هذا التفكير لا يمنعني من الحزن إذا خُيِّل لي أني سأموت ولا أترك أثرًا بعدي خالدًا كالخلد وباقيًا كالأبد. وفي بعض الأحايين أنظر إلى أطماعي وآمالي وهي ماثلة لديَّ نظرة الوداع، وأحزن عليها كما أحزن على صديق عزيز تفيض روحه. ثم أرجع إلى نفسي فأقول: أليس من الغرور أن أحزن على ضياع أطماعٍ وآمالٍ يحول دونها الموت؟ وأي الآمال أهل لمثل هذا الحزن؟ على أن الشك في قيمتها لا يقلل من الحزن والأسف عليها. جعلت أسير يومًا عند شاطئ البحر وأخط في التراب رسومًا وأشكالًا، ورأيت كأن البحر يحاول أن يمحوها، فما زالت أمواجه تغدو وتروح حتى طغت موجة كبيرة عليها فمحتها، ...