المشاركات

عزاء الفلسفة \ بوئثيوس

صورة
  إن كنت في سجن منتظرًا لحظة إعدامك، أستمضي حينها أيامك الأخيرة تكتب مؤلَّفًا فلسفيًّا؟ بوئثيوس فعل. وانتهى الأمر إلى أن يكون هذا أشد المؤلَّفات التي كتبها شيوعًا. كان أنيسيوس مانليوس سِفرنيوس بوئثيوس (525-475)، كي نمنحه اسمه الكامل، واحدًا من آخر الفلاسفة الرومان. مات بعد عشرين عامًا فقط من سقوط روما في يد البرابرة. ولكن في الوقت الذي كان فيه حيًّا، كانت روما تنحدر مسبقًا. وفكّر في الفلسفة مثلما فعل زميلاه الرومانيان كيكرو [باللاتينية الكلاسية] وسنيكا باعتبارها نوعًا من العون الذاتي، طريقة عملية تحسّن بها مجرى حياتك بقدْر ما هي مراس على الفكر المجرد. كما إنه زوّد اليونانيين القديمين أفلاطون وأرسطو بخط اتصال، إذ ترجم أعمالهما إلى اللاتينية، محافظًا بذلك على أفكارهما حيةً في وقت كان يحيق بها خطر الضياع إلى الأبد. كونه مسيحيًّا، فإن كتاباته استمالت الفلاسفة المتدينين الورعين الذين قرؤوا كتبه في العصور الوسطى. إذًا أنشأت فلسفته جسرًا ينطلق من المفكرين اليونان والرومان إلى الفلسفة المسيحية التي ستسيطر على الغرب لقرون بعد وفاته. كانت حياة بوئثيوس مزيجًا من الحظ الحسن والحظ السيئ. قلَّده الم

الكوميديا الالهية \ دانتي

صورة
  وجدت نفسي على الحافة من وادي الهاوية الاليم، المتلقى لدوي صرخات لا تنتهي، عميقاً كان ومُلبداً بالسُحب المُكفهرة، حتى اني حينما حدقتُ ببصري في أعماقه، لم أتبين فيه شيئاً. هنا الطريق المؤدي الى مدينة العذاب، الى الألم الأبدي، هُو ذا الطريق المؤدي الى القوم الهالكين.  لم يُخللق قبلي شيئا سوى ما هو أبدي، واني باقٍ للأبد، أيُها الداخلون ! أطرحوا عنكم كُل أمل.- هذه الكلمات رأيتُها مكتوبة بلونٍ داكن، في ذروة بوابة عملاقة، فقلت :  "مُرشدي، ان معاني هذه الكلمات لقاسٍ على نفسي." فأجابني جواب خبير  :  "هُنا ينبغي ان تطرح عنك كُل شك، هُنا ينبغي ان يموت كُل خوف، فها قد وصلنا الى المكان الذي أخبرتك انك سترى فيه جميع الاقوام المُعذبة." دوى عند دخولنا تنهدٌ وبُكاء وصراخ عالٍ وسط جو مُكفهرٍ بغير نجوم. لغاتٍ غريبة، وصرخاتٍ رهيبة، وكلمات أسىٰ، وصيحاتُ غضب، واصوات صماء عالية، ترافقها لطمات أيادي.مُحدثاً ضجيجاً مُفزعاً يدور على الدوام، في هذا الجو الابدي الظلام، كذرات الرمال عندما تعصِفُ بها هوجاء الاعاصير. فقلت وقد حفّت برأسي طيور الرُعب: " ما هذا الذي أسمع ؟ أي ألمٍ مرير يحملهُ

لوحة هنري براون

صورة
لوحةٌ لرجل أمريكي يدعى هنري براون والذي  استطاع الهرب من العبودية في العام 1849  عن طريق إرسال نفسه بالبريد إلى ولاية أخرى من الولايات الحرة منقولاً في صندوق خشبي مساحته 91x61x81 سم في رحلة إستغرقت 27 ساعة وهو منطوٍ على نفسه في وضع أشبه بالجنين كما  في اللوحة، وحتى يستطيع الحصول على إجازة في ذلك اليوم حرق يده بالكامل بماء النار حتى بانت عظامه، ودفع للرحلة حوالي 86 دولار (مبلغ ضخم جداً وخاصة بالنسبة لعبد، يعادل حوالي 2500 دولار بأموال اليوم) استطاع جمعه عن طريق تأدية بعض المشاوير والأشغال الجانبية للجيران نظير مقابل مادي ضئيل صغيرة على مدار سنوات. بعد نجاحه  حاول بدايةً أن يطوف البلاد ليحكي عن أهوال وفظائع العبودية ولكن أصبح في خطر حقيقي بعدما تم تمرير قانون يدعى Fugitive Slave Law أو (قانون العبد الشارد) والذي يرخص القبض على أي عبد هارب وإعادته لصاحبه نظير مكافأة مالية، فهاجر إلى بريطانيا وعمل بمجال الاستعراض وخفة اليد وكذلك أصبح من أبرز المتحدثين المناهضين للعبودية هناك " الحرية ....لا تقدر بثمن"  

رجل في الوسط \ أحمد خالد توفيق

صورة
  ذات مرة اضطرتني الظروف واضطرني النحس إلى المشي في حي عشوائي مرعب على أطراف المدينة، فلاحظت أن سكان الحي الفقراء ينظرون لي نظرة شرسة متوعدة .. النساء يرمقنني في شك وكراهية، والأطفال يركضون خلفي لكن على مسافة معقولة لأنهم خائفون مني، والفضول يمنعهم من الابتعاد. هنا فطنت إلى أنني أبدو أنيقًا متغطرسًا أكثر من اللازم .. أكثر مما يستريحون له. ولا أعرف كيف نجوت من هذه المغامرة على كل حال. بعد أسبوع كان علي أن أقابل رجلاً في أحد الأحياء شديدة الرقي والثراء.. سيارات فاخرة من أحدث موديل، بحيث بدت سيارتي جوارها أقرب إلى صندوق قمامة ألقاه أحدهم هناك. لاحظت نظرات الدهشة والعدائية التي يصوبها لي كل من ألقاه هناك، وعندما أردت دخول تلك البناية استوقفني حارس الأمن ليعرف من أنا بالتفصيل. نظرت لنفسي في المرآة العملاقة خلف الحارس فعرفت السبب .. أنا أبدو رث الثياب مريبًا وفقيرًا أكثر من اللازم.. هكذا عرفت أنني أنتمي لمعسكر الوسط في كل شيء.. ليس لي مكان في مجتمع الأثرياء لكن مجتمع المعدمين لا يقبلني كذلك .. لو تهددك واحد وأنت في معسكر الأثرياء فلا مشكلة لأن البودي جارد الخاص بك من الرجال صلع الرؤوس ذوي ال

فيما وراء الخير والشر

صورة
في كتابه "الصراع مع الشيطان" يصف ستيفان سفايغ رغبة المعرفة عند نيتشه بأنها رغبة جامحة، مدمرة، "شيطانية" لا تكل ولا تمل، لا تهدف إلى تشييد قصور أو بناء صروح معرفية عكس باقي الفلاسفة الألمان من قبيل كانط وفيخته...فعكس كانط لا يسعى نيتشه الى الزواج بالحقيقة والبقاء وفيا لها. فلا أنساق في فلسفة نيتشه، ولامذاهب، ولا قيم خالدة ولا أفكار ميتافيزيقية متعالية... ولهذا السبب بالضبط يجد المرء صعوبة في قراءة نصوص نتيتشه وفهمها، فهي تستهلك القارئ وتُتعبه، تأخذ منه أضعاف المجهود التي تأخذه قراءات أخرى، لا لسبب إلا لأنها "قلب للأفلاطونية" كما يقول عنها هو نفسه. وما الافلاطونية في نهاية المطاف إن لم تكن الثقافة والطريقة التي اعتاد البشر أن يعيشوا بها منذ زمن بعيد؟ لذلك أيضا تحتاج قراءة نصوص نيتشه إلى براءة الطفل، لأنها تقتضي التخلي عن الكثير من الأحكام المعرفية المسبقة التي أصبحت تُشكل نمط تفكيرنا ووجودنا. وكمثال على ما قلناه، لنتأمل هذه الفقرة المرعبة و"الغريبة" من الشذرة الرابعة لكتاب "فيما وراء الخير والشر"، والتي يحتاج المرء من أجل فهمها إلى أكثر م

وحدها الغابة السوداء تلهمني \ مارتن هايدغر

صورة
  المدينيون يندهشون أحياناً لعزلتي الطويلة والرتيبة في الجبال وبين المزارعين. غير أن ما أعيشه ليس العزلة، وإنما الوحدة. في المدن الكبيرة، بإمكان الإنسان أن يكون منعزلاً أكثر مما في أي مكان آخر، وبسهولة متناهية. غير أنه لا يستطيع أن يكون وحيداً البتة. ذلك أن الوحدة لها نفوذ متميز تماماً في ألا «تعزلنا»، ولكن بالعكس، في أن تُلقي بحياتنا كلها بجوار جوهر كل الأشياء. هناك، أي في المدن، بإمكاننا أن نحصل على الشهرة السريعة من خلال الصحف والمجلات. وهذا هو الطريق المؤكد للسقوط بسرعة في هاوية النسيان. -  مجلة فكر وفن، العدد 47، سنة 1988.

المعاناة و الآلام \ شوبنهاور

صورة
  في النهاية، إذا أظهرنا للجميع المعاناة و الآلام الرهيبة التي قد نتعرض لها خلال حياتنا، سيصابون بالرعب حتماً. إذا قمنا باصطحاب أقوى وأكثر المتفائلين في هذا العالم الى المستشفيات والمستوصفات ومسارح العمليات و عبر السجون وغرف التعذيب وحفر العبيد، إلى ساحات القتال وأماكن الإعدام ؛ إذا فتحنا لهم كل أماكن البؤس المظلمة و إذا كان علينا السماح لهم بإلقاء نظرة خاطفة على زنزانة "أوجولينو" حيث هناك سجناء يتضورون جوعاً حتى الموت، فسوف يرون في النهاية و بكل تأكيد، أي نوع من العالم هذا . هل هو أفضل العوالم الممكنة على الإطلاق كما يعتقد المتفائلون ؟ و إلا من أين حصل "دانتي" على المواد اللازمة لصنع جحيمه؟!! إن لم تكن من عالمنا الحقيقي هذا ؟"  

دفاعا عن الجنون \ ممدوح عدوان

صورة
  نحن أمة خالية من المجانين الحقيقيين . وهذا أكبر عيوبنا. كل منا يريد أن يظهر قوياً وعاقلاً وحكيماً ومتفهماً. يدخل الجميع حالة من الافتعال والبلادة وانعدام الحس تحت تلك الأقنعة فيتحول الجميع إلى نسخ متشابهة مكررة ... ومملة . نحن في حاجة إلى الجرأة على الجنون والجرأة على الاعتراف بالجنون. صار علينا أن نكف عن اعتبار الجنون عيبا واعتبار المجنون عاهة اجتماعية . في حياتنا شيء يجنن. وحين لا يجن أحد فهذا يعني أن أحاسيسنا متلبدة وأن فجائعنا لا تهزنا، فالجنون عند بعض منا دلالة صحية على شعب معافى لا يتحمل إهانة... ودلالة على أن الأصحاء لم يحتفظوا بعقولهم لأنهم لا يحسون بل احتفظوا بعقولهم لأنهم يعملون، أو لأنهم سوف يعملون، على غسل الإهانة. نحن في حاجة إلى الجنون لكشف زيف التعقل والجبن واللامبالاة ، فالجميع راضخون ينفعلون بالمقاييس المتاحة .. ويفرحون بالمقاييس المتاحة .. يضحكون بالمقاييس المتاحة .. ويبكون ويغضبون بالمقاييس المتاحة... لذلك ينهزمون بالمقاييس كلها ولا ينتصرون أبدا. بغتة يجن شخص، يخرج عن هذا المألوف الخانق فيفضح حجم إذعاننا و قبولنا و تثلم أحاسيسنا . يظهر لنا كم هو عالم مرفوض و مقيت و

العلم المرح \ نيتشه

صورة
  الثقافة الصناعية، في شكلها الحالي، هي في مجملها شكل الوجود الأكثر ابتذالاً وفجاجةً ممّا عرفت البشرية حتّى الآن. قانون الحاجة وحده هو الذي يتحكّم في كلّ شيء هنا: يريد المرء أن يعيش وعليه بالتالي أن يبيع نفسه، غير أنّه يكنّ الاحتقار لذلك الذي يستغلّ هذه الحاجة ويشتري العامل. وإنّه لمن الغريب أنّ الخضوع لأفراد من الأقوياء، والذين يثيرون الذعر، بل وللشخصيات الفظيعة، وللطغاة والقادة العسكريين، لم يكن يُعاش كأمر مهين على غرار ما يثيره الخضوع إلى أشخاصٍ من النكرات وقليلي الأهمية كما هو الحال بالنسبة لكبار الماسكين بالقطاع الصناعي: لا يرى العامل في المشغَّل عادةً سوى كلب يضارب بكلّ أنواع الفاقة، لا يجد فيه من جهة الاسم والهيأة والأخلاق والسمعة ما يمكن أن يجعله جديراً بالاحترام. ولعلّ كبار رجال الصناعة والتجارة من عصرنا الحاضر ما زالوا يفتقرون افتقاراً شنيعاً إلى كلّ تلك الأشكال والعلامات التي تميّز العنصر الراقي، والتي هي الكفيلة وحدها بأن تجعل من الأفراد أشخاصاً مهمين؛ ولو كان لهؤلاء ما ينبئ عن نبالة المولد في النظرة والحركات، لما كان هناك ربّما من إمكانية لانتشار مذهب اشتراكيّ بين جماهير ا

اللذة \ أبيقور

صورة
  إن اللذة هي بداية الحياة السعيدة وغايتها، وهي الخير الأول الموافق لطبيعتها والقاعدة التي تنطلق منها في تحديد ما ينبغي اختياره وما ينبغي تجنبه، وهي أخيرا المرجع الذي نلجأ إليه كلما أخذنا الإحساس معيارًا للخير الحاصل لنا. ولما كانت اللذة هي الخير الرئيسي والطبيعي، فإننا لا نبحث عن أية لذة كانت بل نحن نتنازل أحيانا عن لذات كثيرة نظرا لما تخلفه من إزعاج، كما أننا نفضل عليها آلامًا شديدة إذا ما كانت هذه الآلام تسمح، بعد مكابدتها طويلا، بالفوز بلذة أعظم. وعلى هذا الأساس فإن كل لذة هي في ذاتها خير، إلا أنه لا ينبغي أن نبحث عن كل اللذات. وفي نفس السياق، كل ألم هو شرّ، إلا أنه لا ينبغي أن نتجنّب كل الم بأي ثمن. أيا ما كان الأمر، يجب أن تحسم القرار في كل ذلك انطلاقا من الفحص الدقيق لما هو مفيد ولما هو ضارّ، ومن المقارنة بينهما ، إذ تجدنا أحيانا ننظر إلى الخير كما لو كان شرّا ، وإلى الشر كما لو كان خيرًا. أبيقور\ رسالة إلى مينيسي ترجمة جلال الدين سعيد

أنت لا تنزل النهر مرَّتَين \ هيراقليطس

صورة
  سماه بعض القدماء ﺑ «المعتم»، وبعضهم الآخر ﺑ «الفيلسوف الباكي»، وغلبت عليه هذه التسمية جيلًا بعد جيل، منذ أن كانت كتاباته كاملة بين أيدي معاصريه. ويُقال إنه أودعها في معبد الآلهة أرتيميس، وتعمَّد أن يدوِّنها بخطٍّ غير واضح حتى لا يقربها إلا القادرون على فهم أسرارها، إلى أن ضاع معظمها ولم يبقَ منها سوى مائة وثلاثين شذرة متفرقة يتألَّف بعضها من عباراتٍ صغيرة، وبعضها من جملةٍ واحدة أو كلمةٍ مفردة. أمَّا الاسم الذي خلعه عليه أبوه فهو هيراقليطس بن بلوسون من مدينة أفيسوس في بلاد اليونان، وأمَّا تاريخ ميلاده فيرجع إلى حوالي عام ٥٠٠ قبل الميلاد. وهيراقليطس هو آخر الفلاسفة المعروفين بالأيونيين وأكبرهم، أحاطت به هالة من العظمة والوحدة والكبرياء والتفرُّد، جذبت المفكرين إلى شخصيته العجيبة على مدى العصور، وتمثلت فيه غضبة المفكر الذي يدقُّ ناقوس الخطر ليوقظ النيام ويرفع عصاه ليعيد موكب الجماهير إلى منبع الحكمة، نشأ في بيتٍ ثريٍّ نبيل، وتخلَّى عن وظيفة الكاهن الموروثة في أسرته إلى شقيقه الأصغر، ورفض أن يشارك في حكم المدينة التي وُلِدَ فيها، أو يشرِّعَ لها القوانين؛ لا عن أنانية أو تكبُّر، بل لاعتقا

نصوص من أجل لا شيء \ صمويل بيكيت

صورة
  لا أحد غيري، في هذه الأمسية، هنا، على الأرض، وصوت لا يصدر ضجَّة لأنه يمضي نحو العدم، رأس مشتت، ذراعان ممددتان نحو الأسفل وجثث تقاتل بحيوية، وجسد قد نسيته تقريباً، هذا المساء، أقول هذا المساء، وربما هو الصّباح، وكل هذه الأشياء، أي أشياء؟ تلك التي تدور حولي، لن أنكر وجودها بعد الآن، ذلك لم يعد منطقياً، أن كانت الطبيعة، لربما هي أشجار وطيور، فهما يتلائمان سوية، الماء والهواء كي يمضي كل شيء، أنا لست بحاجة لمعرفة التفاصيل، ربما أنا جالس تحت نخلة، أو هي غرفة، مزودة بالأثاث، كل المتطلبات لجعل الحياة مريحة، مظلمة، لوجود الجدار الذي يقابل النافذة. ما الذي أفعله، أتكلم، أترك أنسجتي تتحدث، لا يمكن أن يكون شخصًا غيري أنا. نوبات من الصمت أيضاً، رؤية الجهد الذي ابذله كي أكون منطقياً. هنالك حياتي، لما لا، هي حياة، أن شئت ذلك، أن توجب عليك ذلك، هذه الأمسية أنا لن أقول لا. ويجب أن يكون هناك واحدة، على ما يبدو، حين يكون هنالك حديث، لا حاجة لوجود قصة، القصة ليست إلزامية، فقط الحياة، تلك هي الغلطة التي ارتكبتها، أحدى الأخطاء، حين رغبت بقصة خاصة بي، في حين أن الحياة وحدها تكفي. أنا احرز تقدم، انه الوقت ا

لم اسمح لنفسي \ عبد الوهاب مطاوع

صورة
  لم اسمح لنفسي بأن أنخدع بإبتهاج المُبتهجين ولا بـ لهو اللاهين، فأحكُم عليهم بأنهم سُعداء لمُجرد إنبهاري بمظهرهُم الخارجي البهيج وقبل أن أعرفهم عن قُرب وأسبر أغوارهم، فكثيراً ماتعاملت مع أشخاص يوحي مظهرهُم الخارجي بأنهم لا يعانون من أية هموم كبرى في حياتهم، فلما اقتربت منهُم وأعطيتهم سمعي وشجعتهم على الكلام حتى أكتشفت، بعد قليل أنهُم ممن تنطبق عليهم كلمة المفكر الفرنسي"فولتير" أنهم لايضحكون إبتهاجاً، وإنما تفادياً للانتحار.

فهرس \ سنان أنطون

صورة
  كل هذا يدور حولي. كل هذه الكائنات والأشياء التي تدور حولي منذ عقود. ولكل كائن أو شيء مداره الذي يحتله لوحده، ودورته التي تطول وتقصر. أما أنا، ففي البداية كنت أظنّني ثابتاً لا أدور. لكنني أكتشفت أنني أدور. أدور حول نفسي. نعم أدور حول نفسي إذ أبحث عنها. ثم أكتشفت فيما بعد أنني لا أدور حول نفسي فحسب، فأنا محبوس في مدار. وأدور مثل كل تلك الكائنات والأشياء. أدور حول شيء ما، لكنني لا أعرف ما هو، قد يكون فراغاً. ليس شمساً بكل تأكيد. أدور ولا أقمار تؤانسني. لعلني أدور حول الظلام. ظلام لا مرئي. ظلام يختبئ في الضوء. أدور وأدوخ وأصرخ. أغيب عن الوعي وحين أستعيده أجدني ما زلت أدور وأدور. أبحث عن ثقب أسود يعيدني إلى العدم.

تشارلي كوفمان و النفس البشرية

صورة
  Being John Malkovich 1999 نبدأ بالمحطة الأولى في افلام تشارلي كوفمان و التى يمكن وصفها بالمجنونة و لكنها بكل تأكيد ليست الأكثر جنوناً و لكن يكفى أنها وضعته على الطريق الصحيح . تدور أحداث الفيلم حول محرك الدمى الذى لا يجد مكاناً لتقدير موهبته فى تحريك الدمى “كريج” مما يدفعه لأخذ وظيفة يستغل فيها خفة يده مع الأوراق و لكنه يجد باب سرى يُمَكِنُه من الدخول فى عقل الممثل المشهور جون مالكوفتش ليبقى به لمدة 15 دقيقة ليرى ما يراه و يشعر بما يشعر به لتسير الأحداث بسيناريو غريب تزداد به الأمور جنوناً بشكل متسارع . قد نختلف فيما أراد تشارلي كوفمان قوله بالفعل فى هذا الفيلم و لكن أرى أن الرسالة الأهم و الأقوى هنا تكمن فى ميل الإنسان لاتخاذ الطريق الأسهل ؛ الطريق الممهد دون أن ينظر لما يستطيع تحقيقه بالاعتماد على نفسه ؛ فالجميع أراد أن يكون بداخل مالكوفتش ، الجميع أراد أن يكون ذلك المشهور المحبوب الوسيم اللامع دون أن ينظر إلى نفسه فى المرآة ليرى من يكون بالفعل ؟ و ماذا يريد ؟ و ما الذى يجب عليه فعله لتنفيذ ما يريده ؟ سيناريو هذا الفيلم قد وصٌّل كوفمان بنجاح الى الأكاديمية ليحصل على ترشيحه الأول فى

لا تولد قبيحا \ رجاء عليش

صورة
أن تشعر أنك دائماً تحت المجهر، تلفت النظر بشكل سلبي، يواجهك المجتمع بالاستخفاف والاستهزاء، أن تكون منبوذاً رغم محاولاتك العديدة لكي تكون جزءاً من مجتمع أعمى، يصل إلى نشوته الجنسية عن طريق إهانة المُختلفين، عن طريق شعوره أنه أفضل، وأعلى، منك. أنظر أنه شخص قبيح، دعنا نتنمر عليه، دعنا نأكل لحمه حياً، دعنا نجعله يبكي، دعنا نقتل روحه، دعنا نمتص كُل نفس فيه يحمل حُباً للحياة. أن تنظر للمرآة، وتجد نفسك قبيحاً، خارجك، ولكنك تعلم أن داخلك مُختلف، فلماذا يحكم علي هؤلاء بالقُبح؟ إذا كُنت أبتليت به، فلماذا لا يساعدوني أو يُساندوني أو حتى على الأقل يتجنبوني؟ أنا فقط أريد أن أعيش أن أنجو.. هل أنا حقاً مُختلف عنهم؟ بكل تأكيد مُختلف عنهم.. هم ذئاب صدف أنهم أصبحوا بشراً، روحهم غير موجودة، مشاعرهم قد باعوها للشيطان، فأمرهم بأن يدمروك، أن يرسلوك إلى غياهب البؤس والشقاء، أن تعيش يوماً بعد يوم مُتمنياً الموت كخلاص أبدي لمُعاناتك. فكيف بحق كُل شيء، ستواجههم؟ كيف ستتصدى لكُل ذلك السيل من القُبح الداخلي.. تشعر أنك بطريقة ما تُشفق عليهم.. رباه، كيف يعيش إنسان وهو يحمل كُل ذلك القُبح بداخل روحه؟ ألا ينفر من نفس

التسلل النفسي

صورة
تعرفت على مصطلح نفسي self-infiltration   ال تسلل النفسي أو التسلل الذاتي، ويعني ببساطة الحالة التي نسمح فيها بشكل غير واعي لدوافع الآخرين ورغباتهم بأن تتسلل إلى داخلنا وتقود دوافعنا! فنعتقد انها دوافعنا نحن، ورغباتنا نحن، وأحلامنا نحن! كيف تعرف ما إذا كان الشيء الي ترغب في فعله هو شي ترغب في فعله حقا؟ ليس مجرد شي تعتقد أو تم برمجة عقلك بأنك ترغب في فعله، بينما أنت لا ترغب به ولا تحتاجه؟ وفي الواقع شخص آخر يريدك أن تفعله؟ من الصعب التمييز بين الأمرين، لذلك يستخدم علماء النفس هذا المصطلح المثير للقلق "التسلل الذاتي أو النفسي" لوصف ذلك الموقف الذي نعتقد أننا نقوم فيه بشيء نريد القيام به ولكننا اخترنا دون وعي أن نفعل شيئًا بناءً على طلب الآخرين! وهذا يجعلنا نعيد النظر في رغباتنا ودوافعنا والتشكيك بها لإكتشاف هذا الأمر يجب علينا قبل كل شيء ان نكتشف الأسباب، صحيح؟ إذ لا وجود لحل بدون إكتشاف المشكلة، ولا وجود لدواء بدون إكتشاف الداء بشكل بسيط ومختصر البعد عن أنفسنا وتركها للآخرين يقودنا لخيانة صارخة لأنفسنا، مما يسمح للآخرين بالسيطرة على أنفسنا وعقولنا ودوافعنا الأبحاث حول الظاهرة ت

الحياة

صورة
  الحياة عند فيليني لا يُمكن حصرها و تضليلها بأوهام خيبات مضت، و لأن الحياة بصدرها الرحب تحتوي النادمون علي خطاياهم كأم تنتطر عودة الإبن الضال، و لأن نار البعد و الغربة التي لا تعني هنا السفر عبر الأقطار بل السفر عبر الأرواح ستُطفئ عند العودة، يفتح فيليني ذراعيه بسكينة و هدوء و يذرف دمعاً مريراً لكنه الطريق للإلتحاق بالحياة مرة أخري، هنا لا يتحمل رؤية نفسه مكبلاً بخطاياه فتهرب منه علي هيئة دموع او ما يشبهها، دموع زامبانو التي نبعت من دواخله كانت سبب كافي للحزن علي شرود براءة حاول إستعادتها من جيلسومينا، و ما البراءة سوي حياة ملبدة بالأمل و الرغبة... وهكذا كان إنهيار مارشيلو في "حياة لذيذة" لفيديريكو فيلليني، فبعد أن مزق روحه ما بين شوارع روما و نساءها، نسي إن يعطِ نفسه دليل حياة معنونة ب "لذيذة"، يُمكن هنا تفسير لذة حياة مارشيلو بأنها نبع لا ينضب من الحيرة، التي و إن لم تكن وجهته التي أراد بها أن تكون مدخل لحياته في فترة ما، إلا انها كانت مادة خام تتناسب طردياً مع شخصيته المتطايرة، ألمه في النهايات و المغلف بلامبالاة لا يمكن تناسيها كان بديل عن معني الحب الذي إفتقده

عزلة فردية وعزلة كونية \ إميل سيوران

صورة
  يمكن أن نتصور طريقتين لإختبار العزلة : الإحساس بأنك وحدك في هذا العالم أو الشعور بعزلة العالم.  من يشعر أنه وحده يعيش محض دراما فردية- يمكن أن يحدث الإحساس بالإهمال في الإطار الطبيعي الأشد بهاء. أن يُلقى بك في هذا العالم، عاجزاً عن التأقلم معه، مُهدَّماً بنقائصك الذاتية وحماساتك، غير مبال بالأنواع الخارجية- مهما كانت معتمة أو براقة- لتظل مشدوداً إلى تلك الدراما الداخلية، فهذا يعني العزلة الفردية. لكن الإحساس بالعزلة بالكونية يصدر عن محض وجع ذاتي أقل من الإحساس بضياع هذا العالم، والإحساس بالعدم المنطقي. كما لو أن العالم قد فقد فجأة كل بريق له ليستدعي الرتابة الأساسية لمقبرة.  كثيرون عُذَّبوا لرؤية الكون متروكاً لا سبيل لتعافيه منذوراً لعزلة جليدية، لن تبلغه مجرد انعكاسات شاحبة لوميض الغسق.  من بينهم هؤلاء الأشد تعاسة : أولئك الذين يشعرون بالعزلة في داخلهم أم أولئك الذين يحسون بها من الخارج؟ تستحيل الإجابة. ثمّ لماذا أنا متحير جداً من أجل أحداث تراتبية العزلة؟ ألا يكفي أنني وحيد؟ . على مرتفعات اليأس \ إميل سيوران 

نشيد سيّد السّبت \ لأشرف القرقني

صورة
  بيتي تابوتٌ خشبيّ صنعتهُ من أغصان شجرتي الوحيدة. ودون حاجة إلى طلائه على نحو لامع، نثرتُ دموعي على شقوقه فهوى. أَغلقني عن العالم الذي تزحف فيه المسوخُ البشريّة إلى حتفها باسمةً. وفتحتهُ على عوالمَ مخفيّة تسكنني. في اللّيل، حين تذهبُ الحزينات إلى النّوم والحزانى إلى الخمّارات النّائية، أدخل في مسافات رماديّة. الضّبابُ كثيفٌ. لكنّني أرى بأناملي عيونا حمراء تبرقُ في العتمة. الأشجار تشابك أغصانها لكنّ خطوتي تتقدّم. العشبُ أزرق والنّدى رؤوس صغيرة تتهاوى. ليس حلما ما أنا ماضٍ فيه كي أعود إلى مفسّريه لاهثا. وليس حقيقةً حتّى كي أفكّر. شبحٌ مائلٌ يمضي بي إلى ما لستُ أعرف. وأسمّيه أنا كلّما سحبني أكثر. تدريبٌ دوريّ على الموت أتعلّم خلاله نعيَ نفسي بما يليق بها. أقرأ الآيات التي كتبتها طفولتي في غيابها. أشكر الذين غابوا عن اللحظات التي تحتاجهم. ألعنُ الجمرة التي خرجتُ من جوفها نهرا. وأسمّي حياتي حديقة لم يسقط من سمائها أحدٌ. الجميع مكثوا هناك صاخبين حيثُ تركتهم وتهاويتُ إلى أسفلي.النّهار نائمٌ تحت الشّجرة. سيوقظه طرْق غيابي على الخشب. وأنا أعضّ على الأبواب.