المشاركات

الوعيُ كمنفى " رؤية : إميل سيوران "

صورة
 - يقول سيوران : " من الأفضل أن أكون حيواناً بدل إنسان ، وحشرةً بدل حيوان ، ونبتةً بدل حشرة ، وهكذا دواليك.. ". إذا كان الإنسان الكائن الوحيد الذي يتميَّز بالعقل ، فإن سيوران يمقُت هذه الميزة ، لأن الوعي الذي يفرزه هذا العقل هو سرُّ الشقاء في هذه الحياة. يقول : "الجهل وطن و الوعيُ منفى". - الوعي لعنة مزمِنة ، كارثةٌ مهولة. الوعي هو الذي يجعلنا نُدرِك خُبثَ هذا العالم ، بمجرِّد أن نعي هذا العالم ، فإنه سرعان مايسبب لنا ذلك الوعي شقاءً مزمِناً. وكما يقول "المتنبي" : "ذو العقلِ يشقى في النعيم بعقلهِ...وأخو الجهالةِ في الشقاوة ينعمُ " - من على قمم العقل تبدو لنا الحياة كلها كمرضٍ عضالٍ والعالم كلمجأ مجانين. الوعي شرخٌ وخِلاف مع العالم. إنه ليس مجرّد شوكة ، بل خنجر مغروس في عمق الجسد. ألا يتوق الإنسان إلى العودة إلى الوضع الذي كان عليه قبل الوعي ؟ أليس الأطفال أكثر سعادةٍ غالباً من البالغين ؟ لنرفع الكؤوس على نخب الجهل ، لنسكر ، لنفلت من حالة الوعي !. ألا يقول لنا "باسكال" : "إن في قنينة النبيذ من الفلسفة مايفوق كل مافي الكتب...

التصوير التشكيلي الاغريقي

صورة
 نشأت مدرسة التصوير الاغريقي موازية للنحت في تطورها مرورآ بالدور الهندسي ثم الاصلاحي التقليدي ثم الطليعي ، والمعلومات عن التصوير الاغريقي مستمدة من الصور المرسومة على الأواني ومن الصور التي نقلها الرومان ، أما الصور الأصيلة فقد ذهبت جميعها بما فيها الصور الجدارية التي كانت تزين المباني العامة . ومن المصورين المشهورين في ذلك العصر ( بوليجنوتس ) في القرن الخامس ق.م الذي حاول أن يعبر عن البعد الثالث ( العمق ) بوضع الاشخاص فوق بعضهم بعضآ ، وكان مجال استعمال الالوان محدودآ ، وكان لهذا المصور رسوم في معبد (البرثنون) ومعبد ( أولمبيا ) . وهناك مصور آخر اسمه ( أبوللو دورس ) ويكنى بصانع الظلال ٤١٥ ق.م، ويبدو أن هذا المصور كان على معرفة بالظل فجسم الاشخاص في لوحاته حسب الاتجاه الطبيعي في ذلك العصر .

يغرنوط "أحد الآلهة الهندية"

صورة
ولقد كان من الممكن أن أجتنب وقوع العين عَليّ لو لم يزلَّ لوحيَ الغادر، من يدي، بطريقة ما، مُحدثاً قرقعة متطفلة لفتت إليّ جميع العيون في الحال. وأدركت الآن أن كل شيء قد انتهى، وبينما انحنيت لالتقاط قطعتيّ اللوح المكسور استجمعت قواي انتظاراً لما هو أسوأ. وكان ما خفتٌ أن يكون، فقال مستر بروكلهورست: «فتاة مهملة»! ثم أضاف بعد ذلك مباشرة: «إنها الطالبة الجديدة في ما أرى». وقبل أن أوفّق إلى أخذ نَفَسٍ، قال: «يجب أن لا أنسى أن لدي كلمة أودّ أن أقولها بشأنها» ثم أردف بصوت عال، وما أشدّ ما بدا لي صوته ذاك عالياً! «إيتي بالطفلة التي كسرت لوحها الحجري إلى هنا»! ولم يكن في وسعي أن أتحرّك من تلقاء نفسي. كنت قد أصبت بالشلل، ولكن الفتاتين الكبيرتين اللتين جلستا إلى جانبي أنهضتاني على قدميّ ودفعتاني نحو القاضي الرهيب، ومن ثم أخذت مس تامبل بيدي في رفق وساعدتني على المثول بين يديه، فسمعتها تهمس في أذني قائلة : ‐ «لا تجزعي يا جين، لقد رأيت أن ذلك كان مجرّد مصادفة. إنكِ لن تعاقبي». ونفذت الهمسة الشفوق إلى فؤادي مثل خنجر. وقلت في ذات نفسي: ‐ « لن تنقضي دقيقة أخرى حتى تعتبرني فتاة مرائية وتنظر إلي...

التصوير التشكيلي المصري القديم

صورة
 يعود تاريخ أقدم تصوير تشكيلي الى ما قبل ٥٠٠٠ سنة بقليل ، وقد طور قدماء المصريين أسلوبآ خاصآ بهم ومميزآ لهم زينوا به معابدهم وقصورهم ومقابرهم ، فقد صوروا الاشخاص صورآ جانبية ، ورتبوا الناس حسب وظائفهم ، فكلما علت رتبة الشخص كبر حجمه في الصورة ، وقد زينوا مقابرهم بصور كبيرة ، حيث نرى أمثلة رائعة للتصوير والزخرفة في جميع المقابر وعلى جدران المعابد والوديان ، ومعظم هذه التصاوير تظهر بارزة وملونة ، إذ إنها كانت تعتمد في ذلك العصر على خطوط صريحة قوية قليلة الانحناءات . ولم يظهر التصوير في ذلك العصر مستقلآ عن الحفر البارز أو الغائر إلا في أمثلة قليلة ، منها صورة الإوزات الست ، وكانت الالوان التي يستعملونها الاصفر والاحمر والازرق والاخصر والاسمر والابيض والاسود ، وبعض هذه الالوان نباتي كالنيلي ، وبعضها معدني كاللون الازرق الذي احتفظ برونقه وبهائه طوال هذه القرون .

مُقْتَطَف من رائعة أحدب نوتردام / ڤيكتور هوجو

صورة
 الصُّورة للأحدب كوازيمودو قارع أجراس كنيسة نوتردام في فرنسا-باريس كان القاضي مصاباً بالصَّمم ، وهذا نقصٌ غير خطير ! والثَّابت يوْمذاك أنَّ في إصغاء القاضي ما يكفي للقيام بوظيفته . وقد كان قاضينا المحترم يقوم بهذه الوظيفةِ خيرُ قيام ، فالمهم ألا يُشغَلَ بأيَّة ضجَّةٍ عمَّا ينصرف إليه من محاكمة النَّاس . ــ ( انتبه ، يا روبان ! ما هذا الذي يُدخلونه؟! إنَّه خنزيرٌ برِّي ! إنَّهُ أحدب نوتردام ! إنَّهُ كوازيمودو ! ) صاحَ جوهان الذي كان حاضراً في المحكمة . والحقّ أنَّهُ لم يكُن غير كوازيمودو ، مقيَّداً مجروراً وتحت حراسةٍ جيِّدة ، ولم يكُن فيه شيءٌ يُلفتُ النَّظر غير بشاعته التي وحدها مَنْ يبرِّر جلبهُ إلى المحكمة . كان قاتماً صامتاً مطمئنَّاً ، فلا تكاد عينُه الوحيدة تُلقي نظراتها السَّاخرة الغاضبة فوق الأربطة التي تثبِّته . في هذه الأثناء كان القاضي يتصفَّح ملف الشَّكوى المقدَّمة ضد كوازيمودو الأحدب ، ثم لم يلبث أن بدا في هيئة المتبتّل المستغرِق في تفكيره . وبفضل هذا الإحتياط استطاع دائماً أن يعرف اسم المتَّهم وصفته وعمره ويهيء الأسئلة المنتَظرة والإجابات في حدود ما يتخيَّلها ،...

الزلة / الدكتور يوجين ج. ماهون

صورة
زلات اللسان ... أسبقية شكسبير لفرويد يفترض أن يكون هاملت قد عاش قبل 300 سنة من فرويد ـ في مخيلة كاتب المسرحية ـ الا أنه يبدو مرتكبا لما يسمى زلة ، أو خطأ فرويديا ، وهذه الزلة ، كما يقول أحد كبار المحللين النفسيين ، تلقي أضواء على النقطة الاكثر ظلاما في عقله وتبرز عبقرية وليام شكسبير في وصف الحياة الداخلية للمرء. الدكتور يوجين ج. ماهون ، المحلل المدرب في كلية كولومبيا للاطباء والجراحين تحدث عن اكتشافه هذا في إحدى المجلات النفسية المتخصصة السنوية التي تنشر مواضيع حول آخر الافكار والنظريات التحليلية النفسية لمختلف المواضيع. هاملت أحد أشهر الابطال الشكسبيريين، يرتكب الزلة في أول مناجاة لنفسه. ففي تحسره على زواج والدته السريع من عمه بعد شهر واحد من وفاة والده يتمتم أمير الدانمرك ، ولكن مضى شهران على وفاته ! لا ليس هذه المدة ،ليس شهرين. لماذا يقول شهرين ، بدلا من شهر واحد ،ثم يصحح نفسه فورا؟ يرد ماهون أن السبب هو أن هاملت في خياله الاوديبي اللاواعي قتل والده قبل شهر من إقدام عمه على قتله فعلا. و في مسرحية (يوليوس قيصر) على سبيل المثال عثر على ذكرى خاطئة في الفقرة التي يتجادل فيها بر...

عالم جديد شجاع / ألدوس هكسلي

صورة
يقولون: إنَّ الخوف من الموت، وما يتبعه هو ما يلجئ الناس إلى الدين، كلما تقدّموا في العمر، ولكن من تجربتي أيقنت أنّه بجانب شعور الرعب، أو التخيلات الميتافيزيقية؛ فإنَّ الشعور الديني ينمو بداخلنا مع تقدمنا في العمر؛ لأنّه مع هدأة العواطف واستقرار الأحاسيس وصعوبة استثارة الهوى والنزوات يصبح العقل أكثر قدرة على إعمال الفكر دون مشاكل، ولا تشوش تسببه الصور والخيالات والرغبات والإلهاءات التي كان مستغرقاً فيها من قبل، وعندئذ يتجلّى له الرب كأنّما يخرج عليه من وراء سحابة، فتشعر به روحه وتراه فتتزكى وتتوجه إلى مصدر كل ضياء، تتوجّه إليه فطرياً لا مندوحة لها عنه الآن، وقد بدأ يتلاشى كل ما كان يعطي الحيوية والسحر لعالم الأحاسيس تاركاً إيّانا في خواء، الآن وقد أصبح الوجود المحسوس لا داعم له من الانطباعات الداخلية أو الخارجية شعرنا بحاجتنا للارتكان إلى ثابت، إلى كيان لا يتلاعب بنا ولا يغشنا، إلى واقع راسخ، إلى حقيقة مطلقة أزلية أبدية. نعم ؛ إِنّنا في النهاية نتجه إلى الرب لا محالة، وتلك العاطفة الدينية شديدة النقاء في طبيعتها شافية ومبهجة للروح التي تذوق حلاوتها، حتى إنّها تعوضها عن كل فقَد ....

الفلسفة البراجماتية

صورة
الفلسفة البراجماتية اسم يطلق على عدد من الفلسفات التي تشترك في مبدأ عام وهو أن صحة الفكرة تعتمد على ماتؤديه هذه الفكرة من نفع، أو على ماتؤدي إليه من نتائج عملية ناجحة في الحياة. وقد ظهرت هذه الفلسفة في الولايات المتحدة الأمريكية أواخر القرن التاسع عشر، وكان أول من أطلق عليها اسم البراجماتية؛ هو الفيلسوف الأمريكي تشارلز بيرس. وقد طورها بعد ذلك الفيلسوف وليام جيمس. ثم جاء الفيلسوف جون ديوي محاولا أن يضع منطقا للتفكير البراجماتي، وأن يفتح له مجالات عديدة للتطبيق. ولكن على الرغم من اتفاق الفلاسفة البراجماتيين على مبدأ ارتباط صحة الفكرة بنتائجها العملية، فهم على خلاف فيما بينهم حول النتائج العملية التي تعد مرضية وتكون معيارا للصدق والحقيقة. وهذا الاختلاف هو مايميز الأنماط الرئيسية التالية للبراجماتية : البراجماتية الإنسانية : وترى أن كل مايحقق الأغراض والرغبات الإنسانية فهو حق، وقد أخذ بهذا الموقف كلا من وليام جيمس في أمريكا، وفريدريك شيلر في انجلترا. البراجماتية التجريبية : وترى أن الحق هو مايؤدي إلى عمل، بمعنى مايكون متحققا بصورة تجريبية. البراجماتية الاسمية : ترى أن نتائج الأفكار ه...

أوكتافيو باث / جـدليـّة العـزلـة

صورة
 يمثل الجنين، وهو وحيد في العالم المحيط به، حياةً خالصة، حياة في حالتها الخام، تدفقا جاهلا بذاته. حينما نولد، نقطع الصلات التي تربطنا بالحياة العمياء، التي عشناها في رحم الأم، حيث لا فاصل هناك بين الرغبة والإشباع. فإحساسنا بالحياة يعبر عنه كانفصال وقطيعة، كتيه وسقوط في بيئة معادية وغريبة. وبقدر ما ننمو، بقدر ما يتحول هذا الإحساس البدائي إلى شعور بالعزلة، وبعد ذلك إلى وعي: فنحن محكومون بالعيش في عزلة، لكننا محكومون أيضا بتجاوز عزلتنا واستعادة الصلات، التي كانت تربطنا بالحياة في ماض فردوسي. كل جهودنا تسعى إلى محو العزلة. هكذا يملك الإحساس بالعزلة دلالة مزدوجة: فمن جهة يدل على الوعي بالذات، ويدل من جهة أخرى على الرغبة في الخروج من الذات. إن العزلة، وهي شرط حياتنا، تبدو لنا كامتحان وتطهر، وفي نهايتها يختفي القلق والتيه. فالامتلاء والاجتماع، وهما راحة وسكينة وانسجام مع العالم، ينتظراننا في نهاية متاهة العزلة. إن اللغة الشعبية تعكس هذه الازدواجية، بمطابقتها بين العزلة والحزن. أحزان الحب هي أحزان عزلة، فالمشاركة والعزلة والرغبة في الحب تتعارض وتتكامل. وقدرة العزلة على الإنقاذ تكشف عن...

العقل / ديفيد هيوم

صورة
 يرى هيوم أن العقل يتألف من إدراكات حسية : انطباعات و أفكار. الانطباعات هي مانطلق عليه إجمالا اسم الإحساسات والمشاعر والانفعالات، والأفكار هي مانسميه الخواطر العقلية. الأولى قوية مفعمة بالحياة، والثانية ليست غير نسخ باهتة عن الأولى. - الانطباعات نوعان : انطباعات الحس الأولية وتنشأ في الروح عن علل مجهولة، وانطباعات التفكير الثانوية التي تنشأ نتيجة لأفكارنا. فالنفور مثلا ينشأ عن فكرة الألم، وهذه بدورها نسخة لانطباع الألم الأولي. - الأفكار نوعان : بسيطة و مركبة، الأفكار البسيطة نسخ من الانطباعات البسيطة. والأفكار المركبة مزيج من الأفكار البسيطة، ولا يتحتم أن تعكس أي مزيج فعلي من الانطباعات، وإذا فعلت ذلك كانت مجرد تذكرات، أي أننا مثلا نستطيع أن نفكر في ( التنين ) وفي أشياء أخرى لم ندركها قط. فأفكارنا المركبة جميعا تبنى من أفكار أبسط مشتقة من الانطباعات. يقول هيوم أن قولنا هذا لايختلف عن قولنا بأن ليس ثمة أفكار فطرية، فأفكارنا جميعا مستمدة من التجربة، وموضوعات أفكارنا مقصورة على ماقد وقع لنا في الخبرة، أو مانتصور أنه قد يقع لنا فيها بواسطة الحواس أو الشعور الباطني.  

 ألبير كامو.. مقتطفات من كتاب أسطورة سيزيف

صورة
 ليست هناك إلا مشكلة فلسفية هامة واحدة ألا وهي مشكلة الانتحار. فالحكم عما إذا كانت الحياة جديرة بأن تعاش أم لا، إنما يرتفع إلى الجواب على المسألة الأساسية في الفلسفة وتأتي كل مسألة أخرى بعد ذلك. فإذا سألت نفسي كيف يمكنني أن أحكم بأن هذا السؤال أكثر أهمية من غيرها، فإنني أجيب بأن المرء يحكم عن طريق الأفعال التي تستتبع منه. عمري ما شاهدت إنسانًا ينتحرُ من أجل البحث الأنطولوجي. وإن جالليو الذي ذكر حقيقة علمية ذات أهمية كبيرة، نبذها بمنتهى السهولة حالما تعرضت حياته للخطر. وبمعنى ما من المعاني، حسنًا فعل. وما كانت هذه الحقيقة تستحق عناء المخاطرة. فسواء كانت الأرض هي التي تدور حول الشمس أو الشمس هي التي تدور حول الأرض فهي مسألة من قبيل عدم الاكتراث العميق. بل يمكننا أن نقول إنها مسألة عقيمة. ومن جهة أخرى أرى، أناسًا كثيرين يموتون بسبب أن الحياة عندهم تستحق أن تعاش. وأرى آخرين يذهبون ضحية القتل بسبب الأفكار أو الأوهام التي تزودهم بسبب كاف للحياة (وما يقال عنه سبب كاف للحياة هو سبب رائع للموت) ولهذا فإنني أخلص إلى أن معنى الحياة هو أهم مسألة تثير الإلحاح. -لم يحدث من قبل أن درس ال...

ذكرى ميلاد صمويل باركلي بيكيت / توم درايفر

صورة
 اليوم تحلُ ذكرى ميلاد صمويل باركلي بيكيت من النافذة الشاسعة التي لا تطل على شيء، وقد تطل على كل شيء، يمكن أن نلتقي بيكيت، فمسرح بيكيت هو مسرح الوحدة، وحدة الإنسان إزاء مصيره وقدريته، وإزاء عالم فقده وفردوس يتفقد موته باستمرار. كل شخصيات بيكيت وحيدة تعيش في مونولوج أبدي، حتى الحوار عندها يُفضي إلى المونولوج. إلى الصمت. والرفقة ذاتها تعبير عن الوحدة، أكثر مما هي تعبير عن اللقاء. كأن شقاء الإنسان كفرد ربما، يحتاج أحياناً إلى شاهد. ولا معقولية الوجود، تحتاج أحياناً إلى شاهد. أنه يجسد العجز المطلق، للانتظار، وتالياً اللا انتظار. فلماذا البحث عن أحداث جديدة أو عن شخصيات جديدة أو عن كلام أكثر، ما دامت المواصفات والأزمنة والأمكنة متشابهة، بل ما دامت الأشياء تتنفس في عدميتها النهائية. هذه العدمية النهائية كأنها القدرية الطائشة الملتبسة، التي تفقد الإنسان إمكانية أن يقرر أو يختار أو أن يلتزم حرية أو درباً جديداً، إنه اليأس! ربما. العجز! ربما. الشروط الإنسانية الفاسدة في جواهرها! ربما. وعندما تموت الأفكار، وتبتئس العواطف. فأية حركة تجدي، وأي جسد يجدي، الوحدة؟ في أقصى دركاتها، في أسفل د...

موت سقراط

صورة
من أغرب الأشياء أن العمل القاسي الوحيد الذي ارتكبته الديمقراطية بعد عودتها، قد ارتكبته مع فيلسوف طاعن في السن تحول سنوه السبعون بينه وبين القيام بأي عمل يضر الدولة. ولكن كان بين زعماء الحزب المنتصر أنيتوس الذي هدد قبل عدة سنين من ذلك الوقت بأن ينتقم لنفسه من سقراط لبعض إهانات لحقته من جدله، ولأن الفيلسوف "أفسد" ابنه. وكان أنيتوس هذا رجلاً صالحاً، حارب ببسالة تحت إمرة ثرازيبولس، وأنقذ حياة بعض من أسرهم جنوده من الألجركيين. وكانت له يد في إصدار العفو العام؛ وسمح للذين ابتاعوا أملاكهم، بعد أن صادر الثلاثون الأملاك، أن يستبقوها لأنفسهم لا ينازعهم فيها منازع. ولكنه لم يحتفظ بهذه الصفات الكريمة في معاملته لسقراط. فهو لم ينس أن ابنه بقي مع سقراط وصار سكيراً عربيداً بعد أن ذهب هو إلى منفاه ؛ وبدا له أن تأثير سقراط في الأخلاق وفي السياسة أسوأ من تأثير أي سوفسطائي آخر، وأنه يقوض دعائم العقيدة الدينية التي كانت تستند إليها الأخلاق، وأن انتقاداته الدائمة كانت تضعف إيمان الأثينيين المتعلمين في الأنظمة الديمقراطية . وبدا لأنيتوس أن من الخير أن يخرج سقراط من أثينة أو أن يموت. موت سق...

أصل الأخلاق وفصلها / نيتشه 

صورة
إذا كنا قد فهمنا الاسباب التي جعلتني ادّعي إن مسألة الإعتناء بالمرضى، ومعالجة المرضى، لا يسعها أن تكون من واجب الأصحاء، إذا فهمنا هذه الاسباب بكل ما يقتضيه فهمها من عمق .. وأنا اشدد هنا، بالضبط على ضرورة الإدراك العميق، على ضرورة الفهم العميق .. فإننا نكون قد ادركنا الاسباب الموجبة لضرورة أخرى .. ضرورة أن يكون لدينا أطباء وممرضون يكونون هم انفسهم مرضى : والآن، ها نحن نمسك ونقبض بكلتا يدينا على معنى الكاهن الزاهد . الكاهن الزاهد ينبغي أن يكون، بالنسبة لنا، المنقذ المعدّ سلفاً، راعي القطيع المريض والمدافع عنه : هكذا فقط نستطيع أن نفهم مهمته التاريخية الخارقة . السيطرة على المتألمين، هذا الدور الذي أعدّته غريزته للقيام به، وهو يجد هذا الدور فنه الخاص، سيادته، ونوع سعادته، ينبغي أن يكون مريضاً هو بالذات، ينبغي أن يكون على صلة حميمة بالمرضى، بالمحرومين، حتى يتمكن من سماعهم ومن التفاهم معهم. لكن عليه كذلك أن يكون قوياً، أن يكون متمكناً من نفسه اكثر من تمكنه من الآخرين، رابط الجأش في إرادته للمقدرة حتى يجوز على ثقة المرضى ويكون موضع خشيتهم، حتى يكون دعماً لهم، وسنداً، وملزماً، ومعلماً،...

بحر هوميروس / اندرياس اكينباك

صورة
 كانت علاقة اليونانيين القدماء بالبحر حميمية وخاصّة. وكانت رحلاتهم البحرية هي المحرّك الأساسيّ لثقافتهم. والبحر حاضر في كلّ مكان في الطبيعة اليونانية. ومن أعالي الجبال الوعرة إلى السهول المنخفضة، لا يكاد مرأى البحر المتوسّط يغيب عن الأعين. وهو حاضر أيضا في الأساطير الإغريقية التي تحكي عن الحوريات اللاتي يعشن في الماء وعن الكنوز التي توجد طافية على الشطآن. بالنسبة للإغريق، البحر هو أكثر من واقع جغرافيّ، انه ثقافة وأسلوب حياة. كانوا يعتمدون عليه، ليس للعيش والتنقّل فقط، وإنما أيضا لمعرفة الأخبار وإدارة الحروب وللتبادل السياسيّ والتجاريّ. البحر أيضا نقطة عبور بين الحياة والموت. زيوس قرّر في نهاية العصر البرونزيّ أن يبيد الجنس البشريّ بالطوفان جزاءً له على شروره. وقيل إن ذلك الطوفان تسبّب في تدمير اطلانتيس وطبيعتها الفردوسية. وذات مرّة، أشار يوريبيديس إلى أن الإبحار إلى ما وراء أعمدة هرقل يُعدّ عملا محرّما لأنه ينتهك أرضا مقدّسة. غير أن البحّارة الفينيقيين تجاوزوا تلك الأعمدة منذ القرن السابع الميلاديّ. كان الإغريق ينظرون إلى البحر كنقطة التقاء بين العالم المتخيّل وعالم الوا...

بروكرست

صورة
بروكرست أسطورة يونانية تتمحور حول حداد يدعو الناس للمبيت عنده ؛ ثم يضعهم على سرير في بيته فمن زاد طوله عن السرير بتر الزائد منه و من كان أقصر مد أطرافه حتى تتمزق ؛ الشخص الوحيد الذي ينجو منه هو الذي يناسب مقاسه مقاس السرير !!! لكن في الحقيقة هذه ليست أسطورة فقط بل واقع الكثير منا للأسف ؛ فلدينا في أذهاننا سرير بروكرست لا نقبل أي شخص كما هو بل نبادر إلى حشره في صورة نصنعها له و نتخلص مما لا يوافقها ، لذا يجب علينا أن نقذف بهذا السرير خارج أذهاننا ، و نعلم أن للناس مقاسات و رؤى مختلفة و أن لا نحشرهم في إطار نصنعه لهم ثم نلومهم إذا خالفوه أو خرجوا عنه !!!

عازف الغيتار العجوز / بابلو بيكاسو

صورة
 في هذه اللوحة أول مايتبادر إلى ذهن المشاهد هو التساؤل عن اللون الأزرق الطاغي ؟! هذه اللوحة قام الفنان برسمها خلال المرحلة الزرقاء ، سميت بذلك لأن اللون الأزرق في تلك الفترة هو الطاغي على أغلب لوحات " بيكاسو " . محاولة تفسير هذا اللون وسيطرته على لوحات الفنان يصل بنا إلى أن الفنان أراد من ذلك اللون تصوير حالته النفسية السيئة التي كان يعاني منها ، فكانت نفسيته مزاج من الحزن والسوداوية والبرود ... هذه اللوحة رسمها الفنان بهيئة منكسرة ومشوهة ، تمكن ببراعة من التعبير عن التدهور المعنوي والجسمي للرجل العجوز ، فيبدو بملابسه الرثة وجسده الهزيل وهو يعزف على غيتاره بلا اهتمام وكأن العزف أصبح أمرآ ثقيلآ عليه بعد أن كان أنيسه ومتنفسه ! الملاحظ أيضآ وضعية جلوس العجوز غير المريحة أبدآ ، وكأن شيئآ لم يعد يعنيه ... بالضبط كما لو أن الحياة بدأت تتلاشى من جسده المتهالك !

ﺍﻟﺴﻴﺮﻳﺎﻟﻴﺔ

صورة
ﺍﻟﺴﻴﺮﻳﺎﻟﻴﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﻣﺎ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻴﺔ ﺃﻭ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻓﻬﻲ ﻣﺬﻫﺐ ﺃﺩﺑﻲ ﻓﻨﻲ ﻓﻜﺮﻱ ، ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﻠﻞ ﻣﻦ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻮﺍﻋﻴﺔ ، ﻭﺯﻋﻢ ﺃﻥ ﻓﻮﻕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻭ ﺑﻌﺪﻩ ﻭﺍﻗﻊ ﺁﺧﺮ ﺃﻗﻮﻯ ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ ﻭﺃﻋﻈﻢ ﺍﺗﺴﺎﻋﺎً ، ﻭﻫﻮ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻼﻭﻋﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭ ، ﻭﻫﻮ ﻭﺍﻗﻊ ﻣﻜﺒﻮﺕ ﻓﻲ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ، ﻭﻳﺠﺐ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﺇﻃﻼﻕ ﻣﻜﺒﻮﺗﻪ ﻭﺗﺴﺠﻴﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻷﺩﺏ ﻭﺍﻟﻔﻦ . ﻭﻫﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺇﺩﺧﺎﻝ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻭﻣﻀﺎﻣﻴﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺘﻘﺎﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻱ ﻓﻲ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ . ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻀﺎﻣﻴﻦ ﺗﺴﺘﻤﺪ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻼﻡ؛ ﺳﻮﺍﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻘﻈﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ، ﻭﻣﻦ ﺗﺪﺍﻋﻲ ﺍﻟﺨﻮﺍﻃﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺨﻀﻊ ﻟﻤﻨﻄﻖ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻭﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ، ﻭﻣﻦ ﻫﻮﺍﺟﺲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻭﺍﻟﻼﻭﻋﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻮﺍﺀ ، ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺘﺠﺴﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺣﻼﻡ ﻭﺍﻟﺨﻮﺍﻃﺮ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺟﺲ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩﺓ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺃﺩﺑﻴﺔ . ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﺴﺮﻳﺎﻟﻴﺔ ﺍﺗﺠﺎﻫﺎً ﻳﻬﺪﻑ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﺮﺍﺯ ﺍﻟﺘﻨﺎﻗﺾ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﺘﺄﻟﻴﻒ .

فريدريك نيتشه / شوبنهاور مربياً

صورة
تعرف هذه الأرواح الحرة والمنعزلة، أنها تظهر دائماً بهذه أو تلك الطريقة مختلفة عما تفكر : إنها لا تتمنى شيئاً آخر أكثر من الصدق والحقيقة، إلا أنها طوقت بشبكة من سوء الفهم، ولا تستطيع أمنيتهم المتحمسة أن تمنع إخفاء كل ما يقومون به بغلالة من آراء مزيفة، من التكّيف، تنازلات نصفية، موارات حذرة وتأولات خاطئة، ولهذا يرى المرء غيمة كئيبة كالحة على سيمائهم، فهذا النوع من البشر هم والحق أسوأ من الموت، بحيث يكونوا مضطرين على التظاهر، سخطهم المتواصل على هذا الإكراه يجعلهم غاضبين وخطرين. إنهم يثارون لأنفسهم بين فترة وأخرى عن اختفائهم القسري وتحفظهم الإجباري. فيخرجون من مخابئهم وعلى وجوههم تعبير مرعب، كلماتهم وأفعالهم متفجرات، ويمكن أن تؤدي إلى تدمير أنفسهم. هكذا عاش شوبنهاور تماماً في وسط مخاطر من هذا النوع. إن أمثال هؤلاء البشر العزل بالذات بحاجة إلى الحب، والأصدقاء .. الذين يمكنهم أن يكونوا صريحين وصادقين معهم كما اتجاه انفسهم، أصدقاء تكف في حضرتهم حالة الكتمان والرياء القسري. ابعد هؤلاء الأصدقاء عنك سيكون الخطر أكبر، هلك "هنريش فون كلايست" بسبب النقص لهذا الحب. أكثر الأساليب ا...

الحياة /  سينيكا

صورة
حياةٍ كهذه، كما تعلم، لا ينبغي دومًا التمسك بها. ذلك أن مجرد العيش لا يُعدّ خيرًا، بل العيش بسعادة. لذلك، سيعيش الإنسان الحكيم بقدر ما ينبغي عليه أن يعيش، وليس بقدر ما يستطيع. ذلك الحكيم ينظر مطولًا إلى المكان الذي سيعيش فيه، والشخوص الذين سيعيش معهم، والطريقة التي سيمارس بها وجوده، ومن ثمّ يُقرر ما الذي ينبغي عليه فعله. ذلك أن ما يُهمه هو جودة السنين التي يعيشها، وليس عددها. فعندما يرى أن الكثير من النكبات تُلحقه بالأذى وُتعكّر صفوه، يُطلق سراح روحه. وتظل هبة هذا الاختيار مُتاحةٌ دومًا، ليس فقط حينما تغشو حياته الفوضى، بل في أي وقتٍ تمارس فيه فورتونا حيلها عليه؛ فينظر حوله في تأن، ليعلم إذا ما كان ينبغي عليه الرحيل أم البقاء. الحكيم لا يجد فرقًا بين الرحيل بشكلٍ طبيعي، أو الرحيل بإرادته، لا يُبالِ ما إذا كان الموت سيأتيه في صباه أو في شيبه. هو لا يواجه الموت مرتعدًا، وكأنه خسارةٌ فادحة، ذلك أنه ليس بوسع الإنسان أن يخسر الكثير إن لم يبق في كأسه سوى بضع قطرات. لا يكون السؤال عمّا إذا كان ينبغي أن تموت الآن أم في وقتٍ لاحق، بل عمّا إذا كنت ستموت بسعادةٍ أم بشقاء. والموت بسعادة، هو ...