الحاضر يكفي لسعادتنا؛ لأنه الشيء الوحيد الذي ينتسب إلينا ويعتمد علينا. ومن الضروري عند الرواقيين أن نفرق بين ما يعتمد، وما لا يعتمد، علينا. الماضي لا يعتمد علينا، حيث إنه مثبت بإحكام، والمستقبل لا يعتمد علينا لأنه لم يوجد بعدُ. وحده الحاضر يعتمد علينا، ووحده، لذلك، الذي يمكن أن يكون خيرًا أو شرًّا، إذ إنه الشيء الوحيد الذي يعتمد على إرادتنا، وحيث إن الماضي والمستقبل لا يعتمدان علينا، فإنهما لا يقعان تحت مقولة الخير أو الشر الأخلاقي، ويجب من ثم أن ندرجهما تحت الأشياء اللافارقة Indifferents (ماركوس أوريليوس، التأملات، ٦–٣٢). إن من إهدار الوقت أن تنشغل بما مضى منذ زمنٍ طويل، أو بما قد لا يحدث أبدًا؛ وعلينا إذن أن «نحصر الحاضر». «كل ما تتمنى يومًا بلوغه بطريقٍ ملتوٍ بوسعك الآن أن تناله إذا كنت منصفًا لنفسك، أي إذا تركت الماضي وراء ظهرك وأوكلت المستقبل للعناية، ووقفت الحاضر على التقوى والعدل» (ماركوس أوريليوس، التأملات، ١٢–١). وفي موضعٍ آخر يصف ماركوس تدريب حصر الحاضر كما يلي: «… فإذا ما نفضت عن نفسك، أي عن عقلك، كل ما يقوله الآخرون ويفعلونه، وكل ما قلته أنت وفعلته، كل ما ينغِّصك عن ا...