المشاركات

فيودور دوستويفسكي / من رواية الشياطين

صورة
هناك لحظات تدوم خمس ثوان أو ستاً تحس أثناءها فجأة بحضور الإنسجام الأبدي, وبأنك بلغت هذا الإنسجام الأبدي . ليس ذلك شيئاً أرضياً : لا أقول أنه سماوي, ولكنني أقول أن الإنسان من جانبه الأرضي عاجز عن إحتماله . فيجب أن يتغير جسم الإنسان أو يموت . إنه شعور واضح, لا جدال فيه, مُطلق . تدرك الطبيعة كاملة على فجأة, وتقول لنفسك: نعم , هذا هو, هذا حق. حين خلق الله العالم كان يقول في آخر كل يوم : " نعم , هذا خير, هذا عدل;هذا حق". ليس ذلك نوعاً من ترقق العاطفة والحنان . إنه شيء آخر . إنه فَرح . وأنت عندئذ لا تغفر شيئاً, إذ لا يبقى ما تغفره . وليس ذلك حباً . آه... إنه فوق الحُب . الأمر الرهيب هو أنه واضح وضوحاً مخيفاً مُروعاً . غيرَ أن فرحاً واسعاً يغمر كل شيء ! لو دام أكثر من خمس ثوانٍ, لما إستطاعت النفس أن تتحمله ولكان عليها أن تزول . في هذه الثواني الخمس أحيا حياةً بكاملها, وإني لمستعد في سبيلها أن أهب حياتي كلها ... لأن هذه الثواني الخمس تساويها . من أجل أن يستطيع المرء إحتمال ذلك عشر ثوان يجب أن يتغير جسمه . وأظن أنه يجب على الإنسان أن يَكف عن التناسل . لماذا الأطفال,

فائدة الأدب؟ ماريو بارغاس يوسا

صورة
يقول '' ماريو بارغاس يوسا '' الروائي والصحفي الاسباني في احدى مقالاته : كان '' بورخيس '' ينزعج كثيرًا كلما سُئِلَ “ما هي فائدة الأدب؟”  كان يبدو له هذا السؤال غبيًا. لدرجة أنه يود أن يجيب بأنه:  “لا أحد يسأل عن فائدة تغريد الكناري ، أو منظر غروب شمس جميل”. إذا وُجد الجمال ، وإذا استطاع هؤلاء ولو للحظة أن يجعلوا هذا العالم أقل قبحًا وحزنًا ، أليس من السخف أن نبحث عن مبرر عملي !؟ يعود ''يوسا'' ليؤكد أنه لايوجد من يعلمنا أفضل من الأدب أننا نرى برغم فروقنا العرقية والاجتماعية ثراء الجنس البشري، ولايوجد ماهو مثل الأدب لكي يجعلنا نكافئ ونمجد فروقنا بوصفها مظهرًا من مظاهر الإبداع الإنساني متعدد الأوجه. قراءة الأدب الجيد هو مصدر للمتعة بطبيعة الحال، ولكنه أيضًا تجربة لنعرف من نحن وكيف نكون، بعيوبنا وبنقصنا، من أفعالنا وأحلامنا وأشباحنا، وحيدين وفي العلاقات التي تربطنا مع الآخرين، في صورتنا العامة الظاهرة لدى الآخرين أو في تجاويف وعينا السرية.

نشيد الثمل / هكذا تكلم زرادشت  

صورة
أيها الرجال الراقون ما تراكم تحسبونني؟ أنبيٌّ أنا أم متوهم أم ثامل أم معبر أحلام أم جرس يدوي في نصف الليل؟ أأنا ندى أم بخور من الأبدية؟ أفما سمعتم؟ أفما شعرتم بأن عالمي قد اكتمل؟ إن نصف الليل هو الظهيرة أيضًا. إن الألم لذة واللعنة بركة والليل شمس مشرقة. ابتعدوا كيلا يقال عنكم أيضًا إن الحكيم مجنون. إذا كنتم أحسستم بفرح فقد أحسستم أيضًا بجميع الأتراح، فجميع الأشياء متسلسلة متداخلة متعاشقة. أفما اشتهيتم أن تعود المرة مرتين فهتفتم ارتياحًا للذة لحين من الدهر ولطرفة عين؟ إنكم بهذا التمني وددتم لو تعود الأشياء جميعها متسلسلة متداخلة متعاشقة، وهكذا أحببتم العالم، أيها الخالدون، فكان حبكم أبديًّا لا نهاية له. قلتم للآلام أن تنقضي ولكنكم دعوتموها لتعود؛ لأن كل لذة تطلب الخلود. 

واصل/ محمد زياد الترك / شاعر وكاتب أردني

صورة
عندما تَطَلقت أمي ورحلت في حال سبيلها أجبرنا والدي على عدم زيارتها وكانت الأيام كفيلة بأن أنساها وأعتاد على زوجة الأب السيئة .. أخي الذي كان يغيب عن المنزل لليلةٍ أو اثنتين لم يأبه حين يعود للعقاب الذي ينتظره ومع الكثير من الركل والصفع كان يتظاهر .. أنه فاقد للوعي . فينفذ من الاعتراف عن مكان غيابه . كنت صديق أخي الوحيد مع ذلك لم يخبرني أيضًا أين كان يقضي الأيام التي يغيبها . ربما لأني كنت جبانآ وأخاف من ظلي . يومآ أتذكر أنه دام على غياب أخي أكثر من ثلاث أيام .. وكان والدي يشتاط غضبًا ولكثرة ما أغدقت زوجة أبي على رأسه بخصوص أخي توعد أبي أنه سيتسبب لأخي بموتآ مؤقتآ من شدة الضرب هذه المرة .. وما هي إلا ساعة واحدة .. وكان أخي ممددآ على أرضية الغرفة .. غارقًا بدمائه بلا حراك .. مات أخي ..حينها أدركت أن الوحدة كفيلة أيضًا بجعلي أنساه هو الآخر أو أتناساه وفي ليلةٍ باردة كنت أبعثر بين أغراض أخي .. فوجدت تحت وسادته رسالة رسالة خائفة قال فيها : " واصل زيارة أمنا .. فهي عمياء .. ولن تفرق بين صوتك وصوتي .. واصل رعايتها .. حتى لو كنت تحت التعذيب .. لكن لا تشعرها أبداً أن أحدنا قد رحل

ذكريات من منزل الاموات / دوستويفسكي

صورة
كنت، وانا محاط بمئات من الرفاق، اشعر بوحدة هائلة و عزلة رهيبة، وانني وصلت مع ذلك الي ان احب هذه الوحدة و هذه العزلة. كنت و انا معتزل استعرض حياتي السابقة، واحلل ادق تفاصيلها، و اطيل التفكير فيها، و احكم علي نفسي بغير رحمة و لا شفقة، حتي لقد كنت في بعض الاحيان اشكر للقدر انه فرض علي هذه العزلة التي لولاها لما استطعت ان احكم علي نفسي و لا ان انفذ الي قرارة حياتي الماضية. و ما اكثر الامال التي كانت تنبت في قلبي حينذاك ! كنت افكر و اقرر و احلف ان لا اقارف في المستقبل ما قارفت في الماضي من اخطاء و ان اتجنب السقطات التي حطمتني.ووضعت برنامجاً لمستقبلي، و آليت علي نفسي ان التزم هذا البرنامج فلا اخرج عنه بل ابقي وفيا له. و كنت اؤمن ايماناً اعمي بانني سانفذ كل ما اردت، و بانني استطيع ان انفذ كل ما اردت. كنت انتظر حريتي، و اناديها في حرارة و حماسة. كنت اريد ان اجرب قواي مرة اخرى في كفاح جديد. و كان يلم بي في بعض الاحيان شوق محموم ينفذ لي صبري و يخنقني خنقا. انني اتألم الان من مجرد ايقاظ هذه الذكريات.

رسالة من امرأة مجهولة / ستيفان زفايغ

صورة
ألف الكاتب النمساوي ستيفان زفايغ سنة 1922 رواية "رسالة من امرأة مجهولة" ،التي تحدث فيها عن كاتب مرموق تصله في عيد ميلاده الأربعين رسالة من شخص مجهول الهوية ... رواية قدم فيها الكاتب دروسا في علم النفس ،محللا شخصية الانثى مرهفة الأحاسيس ،ناقش الحب من جانبه العذري او الافلاطوني بطريقة جد متميزة تكاد تكون علمية ... استنتاج : عندما يحدث ان يتعلق القلب بطريقة مستورة ،نعم .. حين تكبح المشاعر و تتلبد الاحاسيس ،آنذاك يتعذب المرء. الاعتراف احيانا نجاة رغم ألمه ،فالألم ليس إلا جبنا ،من يخشى الألم يعيش أبد الدهر بين حفر الندم ،مغطى بتراب الشماتة . هذا ما يحدث لكاتبة الرسالة ،ذات القلب العذري النابض لشخص غير مدرك بوجودها !! . خسرت معركة العاطفة بلعبة التستر و الكتمان. تعلمت عدم كبح مشاعري خاصة اذا كانت صادقة ،هكذا على الاقل سأعيش بسلام ،الرفض هو الأصل و القبول استثناء  ،أيا كانت ردود الأفعال ،فلطالما كان الاعتراف الصريح قطرة تشفي الغليل . أحيانا يفاجئنا من كنا نعتبر أن قلبه من حجر ،بقذفه لمياه تسقي عواطفنا الجافة بالانتظار ...

زوربا / نيكوس كازانتزاكيس

صورة
كانت السماء صافية تماما والنجوم تبدو كبيرة متدلية من السماء ككرات من نار، بينما بدا الليل مثل وحش اسود كبير يجثم على الشاطئ. وازدحمت الكنيسة الدافئة بالقرويين. فوقف الرجال في المقدّمة أمام النساء، وعقد الجميع أيديهم فوق صدورهم. بينما اخذ الأب ستيفانوس، بقامته الطويلة وثوبه الموشّى بالذهب ووجهه الشاحب بعد صيام أربعين يوما، يروح ويغدو بخطى واسعة ويترنّم بأعلى صوته وبسرعة لكي يعود على عجل إلى بيته حيث تنتظره مائدة مثقلة بالحساء والشواء وسائر الأطعمة الشهيّة . ولو لم تقل الكتب المقدّسة أن النور ولد في مثل هذه الليلة لما نشأت الأسطورة وملأت الدنيا، ولمرّ الحادث كأيّ ظاهرة طبيعية عادية دون أن يلهب الأخيلة. لكن النور الذي ولد في صميم الشتاء أصبح طفلا والطفل أصبح إلها دانت له النفوس والأرواح عشرين قرنا. كنت سعيدا وقلت لنفسي: هذه هي السعادة الحقيقية. أن يعيش الإنسان بلا مطامع ويعمل ويكدّ كأنّ له ألف مطمع. وأن يحبّ الناس ويعمل لخيرهم دون أن يكون في حاجة إليهم. وأن يأكل ويشرب ويشترك في أعياد الميلاد دون أن يتورّط في المتاعب أو يقع في الفخاخ. وأن يسير على الشاطئ والنجوم فوقه والبحر إلى يم

لا يقول الأدب شيئًا لمن هم راضون بما لديهم

صورة
" لا يقول الأدب شيئًا لمن هم راضون بما لديهم، لمن يرون الحياة بما يعيشونها الآن. الأدب هو قوت الروح المتمردة، هو إعلان عدم الانقياد، هو ملجأ لمن لديهم القليل جدًا أو الكثير جدًا في الحياة. " ماريو بارغاس يوسا بين الكم و الكيف، سأختار دائما الكيف. لطالما كانت هذه قاعدتي التي لازمتني في كل مشاهاداتي و قراءاتي، هذا مع كامل احترامي لكل الأصدقاء المحظوظين الذين استطاعوا أن يجمعوا كلاهما. ولقد استطعت بعد عام سابق انكببت فيه على الأدب الروسي الشامخ أن أوسع الدائرة الى باقي الدول و أستكشف ثقافات و أقلام أخرى سطع نجمها في سماء الأدب. هذه قائمتي لأفضل خمسة روايات قرأتها عام 2019 مع تعليق شخصي .. اسم الوردة لأومبرتو ايكو: كل أحرف وكلمات اللغة عاجزة عن الاحاطة باحساسي و امتناني العميق لكاتب هذه الرواية، ربما لو كنت أستطيع العزف لاستطعت ان انقل لكم أحاسيسي بدقة أكثرولكن دعوني أحاول. هذه رواية تأخذ كل ما هو جميل في الكليشيه و تحوله بلمسة معلم الى شيء غير تقليدي، ستأخذك في البداية من يديك لتريك الطريق و تطلعك على السياق التاريخي و الثقافي للحكاية، و عندما تعتاد نصائح غوليامو للمبت

نشعر بالملل

صورة
" حسنا. نعم . نحن نشعر بالملل الآن. كلنا. ولكن هل حدث أن فكرت، والي، أن العملية التي تخلق هذا الملل الذي نراه في العالم الآن قد تكون شكلاً غير واعٍ و مستديم من غسيل الدماغ أنشأته حكومة شمولية عالمية تقوم على المال؟ وأن كل هذا أخطر بكثير، في الحقيقة، مما يعتقده المرء؟ وهذه ليست مجرد مسألة بقاء للفرد، والي، ولكن الشخص الذي يشعر بالملل هو شخص نائم؟ وشخص نائم لن يقول لك لا ؟ " ---------------- سأل أحدهم الناقد الشهير روجر ايبرت عن فيلم يخلو كليا من أي مظهر للكليشيهات المعتادة، - وهو سؤال صعب جدا بالمناسبة - ففكر روجر قليلا و قدم له هذا الفيلم. الفيلم اسمه " My Dinner with Andre "، و هو يبدو بسيطا بساطة عنوانه، لكنه أعمق من ذلك بكثير، و ان حدث و أنهيته، فانه سيترك في داخلك أثرا لن يزول. يتحدث الفيلم عن كاتب مسرحيات و ممثل يدعى والي، الذي كان في صغره غنيا وناجحا، و كان كل اهتمامه حسب قوله منصبا حول الفن و الموسيقى، لكنه الان لا يستطيع أن أي يفكر في أي شيء اخر عدى المال. نلتقي والي و هو في طريقه لملاقاة شخص من الماضي كان يتفاداه لمدة طويلة، هذا الشخص يدعى اندي ال

دوستويفسكي _ من رواية الأبله

صورة
لغتي لا تناسب المعاني التي في ذهني ، فهي لذلك تغض من قيمتها وتفسدها . وتلفّت فيما حوله كأنه ينتظر جواباً أو قراراً . كان الجميع يقفون في شدة الحيرة من هذه الإندفاعية المرضية التي لم يتوقعها أحد ، والتي لم يكن ثمة ما يدعو إليها على كل حال كما بدا ولكن هذه الإندفاعة كانت سبباً لوقوع حادث غريب هو أن آجلايا صاحت فجأة : ـ لماذا تقول هذا هنا .؟ لماذا تقول هذا لهم ؟ لهم هم ! كانت تبدو في ذروة الإستياء . وكانت عيناها تسطعان . لبث الأمير صامتاً كالأخرس ، واجتاح وجهه شحوب مفاجئ . وانفجرت آجلايا تقول : ـ ليس هنا شخص واحد يستحق أن يسمع هذه الكلمات ! إنهم جميعا لا يساوون خنصر يدك ، لا فكراً ولا قلباً ! أنت أشرف وأحسن منهم . أنت فوقهم نبلاً وطيباً وذكاء اً ! هنا أناس لا يستحقون أن يشيلوا المنديل الذي سقط من يدك الآن على الأرض ... فلماذا تُذل كبرياءك وتجعلها أدنى منهم ؟ لماذا قلبت كل شيء رأساً على عقب ؟ لماذا لا تكون لك عزّة وأنفة ؟

الإنسان _ دوستويفسكي

صورة
أتحسبون أني مجنون ، يا سادة ؟ اسمحوا لي بتقديم بعض التحفّظ . طيب أنا متّفق ، على أن الإنسان هو بخاصة ، حيوان بنّاءٌ حُكِم عليه بأن يمشي بشكل واعٍ نحو هدفه ، و بأن يمارس فن الهندسة ، و بأن يشقّ على الدوام طريقاً تفضي به تحديداً ، إلى وجهة ما. و لربما لهذه الغاية بالضبط ، ظلّت تسكنه الرغبة في الإنحراف قليلاً عن مساره ، لا لشيء آخر سوى لأنه محكوم سلفاً بشقّ ذلك المسار ؛ و لأن إنسان الفعل التلقائي و العفوي كذلك ، مثلما أعتقد ، حتى و إن كان عامة غبياً ، فقد يتبادر أحياناً إلى ذهنه على كلّ حال ، بأن طريقه ــ مع الممارسة الدائمة ــ تفضي دون شك إلى وجهة ما ، و بأن المهم ليس أن يعرف إلى أين تفضي تلك الطريق ، و إنما أن تستمر فقط مُشْرعَة على الأفق المفتوح ، و بأن الفتى العاقل ينبغي أن يتجنب كل إهمال يمسّ الهندسة المنذور لها ، و كل ما قد يدفع به إلى الاستسلام للكسل المميت ، الذي هو أصلُ كافة الرذائل و الموبقات ، مثلما نعرف . إن الإنسان ، و هذه مسألة لا تقبل النقاش ، يحب رؤية نفسه و هو يبني ، و يشق الطرق . إنما لماذا يريد هذا الإنسان كذلك ، يا سادة ، أن يرى نفسه بولهٍ شديد ، و هو يحرّض على

من كتاب " نيتشه " لــ هنري ليشتاتبرجر

صورة
" بحث الناقدون كثيراً في فكرة نيتشه التي كانت تتطور وتتبدل تبعاً لما يحيط بحياته ، وهو ، قبل بلوغه هذا المرفأ ، خاض بحاراً كثيرة ، وجاز شواطىء كثيرة . وقد ادرك بذاته تطور ذاته ، فشبه نفسه بالافعي التي تنسلخ من جلدها ، او النسر الذي ينسل ريشه . والحياة عنده ليست بواجب يلقي ، ولا بعمل يفرض ، ولا بوهم يحب . وانما هي مادة شأنها شأن المواد التي تقع بين يدي الباحث . وكان ينظر نفسه كالمتنقل بدون انتهاء ، همه النضال ، تهذبه انكسارته كما تهذبه انتصارته . او كالواثب بين الصخور ، يكاد يذهب بنفسه ضحية علي رؤوس الصخور الشاهقة وهو ـ بلا كلل ولا فتور ــ يصعد من عال الى أعلي ، ومن قمة الي قمة ، مبدلاً كل لحظة افقه ، عازماًً الا يقف ابداً ، ولا ينثني ابداً . رفيقه الشجاعة وحليفه الصرامة ، لا يروعه البرد ولا تخفيه الهاوية . ولا يجزع من العزلة التي تتنفس فيها ريح الثلج المنهمر . هو دائما في صعود وارتقاء !...

مختصر التحلل_ إميل سيوران

صورة
مَصادِر تَدْمِير الذَات وُلِدْنَا فِي سِجن، وَ الأصفَادُ تُحِيطُ بِسَواعِدنَا وَ أفْكارِنَا، وَ مَا كُنَا قَادِرينَ علَى تَحمُلِ يَومٍ وَاحدٍ لَوْلاَ أنَ إمكَانِيَة أنْ يَنْتهِي كلُ هذَا تَحْثنَا علَى أنْ نَبْدأَ كُلَ يَومٍ مِنْ جَدِيد.. القُضبَانُ الفُولاذِيَّةُ وَ الهوَاءُ الخَانِقُ لِهذَا العَالَم يُجَردَانِنا مِنْ كُلِ شيْء باسْتِثنَاءِ الحُريَة لِأنْ نَقتُلَ أنْفُسنَا ؛ وَ هذِهِ الحُريَة تُزَوِدنَا بِالقُوَة وَ الإبَاءِ اللاَزِم لِمُواجهَةِ الحُمولَة الهَائِلَة مِنَ الأعْبَاءِ التِي تَسْحقُنا. أهُنَاكَ هِبَةٌ أشَدُ تَحْيِيرًا مِنْ أنْ نَكُونَ قَادِرينَ علَى أنْ نَفْعلَ بِأنْفُسِنا مَا نَشَاء وَ نَرفُض ؟ تَعزِيَةُ أنْفُسِنا بِٱنْتِحارٍ مُحْتمَل تَجْعلُ مِنْ مَوطِءِ أقْدَامِنا الضَيِق -حيْثُ نَخْتنِق- مِساحَات لاَ مَحْدودَة. الفِكْرةُ الحَاضِرَة لِتَدمِيرِ أنْفُسِنا، وَفْرةُ الوسَائِلِ اللاَزِمةُ لِذَلِك، سُهولَةُ ٱسْتِخدَامُها وَ تَوافُرهَا، تَمْلأُنَا بالإرْتيَاحِ وَ الرُعْب فِي آنٍ وَاحِد ؛ إذْ لاَ شيْءَ يَجْمعُ بيْنَ البَساطَةِ وَ الهَوْل مِثْل ذَلِكَ الفِعْل الذِي نَح

باروخ سبينوزا أحد كبار الفلاسفة على مر التاريخ

صورة
" ...والواقع أن سبينوزا يحتل مكانة أساسية وفريدة من نوعها في تاريخ الفكر الأوروبي وربما البشري بشكل عام . فهو شخص منبوذ على كافة الأصعدة والمستويات . إنه منبوذ كيهودي يعيش في مجتمع مسيحي كان الدين يحتل فيه أهمية قصوى في القرن السابع عشر . وهو منبوذ من قبل اليهود أنفسهم لأنه انقطع عن الصلاة في الكنيس أو في المعبد بعد أن فقد إيمانه بالعقائد الدينية والطقوس والشعائر وعمره لا يتجاوز العشرين إلا قليلا . وهو منبوذ حتى بين الفلاسفة الذين يدارون رجال الدين ظاهرياً , وبالتالي فلا يجرأون على التقرب منه إلا من بعيد البعيد . بل وكانوا يهاجمونه لكي يحظوا برضى الأرثوذكسية والأصولية أو يتقوا شرهما على الأقل . وكان منبوذاً حتى على مستوى عائلته الشخصية التي رفضته وحرمته من الإرث الأبوي بعد أن أدانه حاخامات اليهود . كان سبينوزا منبوذا بشكل كوني . كان رجلاً حراً أو يشعر بعطش هائل إلى الحرية . لكن لنتوقف قليلاً هنا عند الإدانة اللاهوتية التي أصابته في عز الشباب وحسمت مصيره الفلسفي . في 27 يوليو من عام 1656 م , صدرت الفتوى اللاهوتية التالية عن الكنيس اليهودي في أمستردام : ( منذ بعض الوقت وأقطا

الإعتراف قصة قصيرة _ أنطون تشيخوف

صورة
كان النهار صحواً، صقيعياً...وكانت نفسي منشرحة، مغتبطة، كنفس حوذي أخطؤوا معه فأعطوه روبلاً ذهبياً بدلاً من عشرينية. كانت تنتابني رغبة في البكاء، في الضحك والصلاة...كنت أشعر أنني في السماء السابعة. فللتو قد جعلوا مني أمين صندوق! لم أكن أشعر بالفرح لأنه قد أصبح بإمكاني الإستيلاء. فأنا حينذاك لم أكن قد صرت لصاً بعد،ولو أن أحداً حينها قال لي أني سأصبح لصاً لدمّرتُه... بل كنت فرحاً لسبب آخر: هو ترقيتي في الوظيفة، والعلاوة التافهة في الراتب فقط لا غير. ثم إن هناك أمراً آخر كان يفرحني. فما إن أصبحت أمين صندوق حتى صرت أشعر كما لو إنني قد ارتديت نظارة وردية. فجأة أخذ يبدو لي أن الناس قد تغيروا. أي بشرفي. كلهم كما لو أنهم قد أصبحوا أحسن مما كانوا. الدميمون أصبحوا جميلين، والأشرار أصبحوا أخياراً، والمتكبرون أصبحوا متواضعين، ومبغضوا الناس أصبحوا من محبيهم. لكأن ذهني قد أشرق.صرت أرى في الإنسان خصالاً رائعة لم أكن أفترض وجودها من قبل فيه. كنت أقول وأنا أنظر إلى الناس وأفرك عيني: «غريب! إما أن أمراً ما قد حدث لهم،أو أنني كنت من قبل غبياً ولم أكن ألاحظ كل هذه الخصال. يا لروعة هؤلاء الناس!» وكان ممن

وودي آلن، كيف تتعامل مع أسئلة الحياة الكبرى؟

صورة
ليس لقسوة حياتنا إجابات متفائلة، مهما حادثك الفلاسفة ورجال الدين وعلماء النفس. محور الكلام هو دائماً أنّ الحياة لها أجندتها الخاصة، وأنّها تقفز فوقك ولا تبالي بك. يوماً ما، سننتهي كلنا بطريقة سيئة جداً. كلّ ما يمكن أن تفعله كفنان هو إيجاد شيء ما لتشرح لماذا تستحق الحياة أن تُعاش وما هي ايجابياتها. طبعاً، لا يمكنك أن تفعل ذلك من دون خداع الناس لأنّ الحياة في الحقيقة بلا معنى، فنحن نعيش حياة بلا معنى في كونٍ عشوائي. كلّ شيء أنجزته سيزول يوماً، الأرض ستنقرض والشمس ستنفجر، والكون سيختفي، ومعه ستموت أعمال شكسبير وميكلأنجلو وبيتهوفن. من الصعب جداً اقناع الناس أنّ ثمة جدوى من كلّ ما يعيشونه. استنتاجي أنّ الشيء الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه هو الترفيه وتشتيت العقل، فأنتَ عندما تشاهد مباراة في البايسبول أو فيلماً لفرَد أستَر، تفعل شيئاً يشتتك وينسيك الواقع. ما ينجح في تشتيتي هو أن أفكّر وأتساءل: يا إلهي، هل في امكاني أن أجعل ايما وباركر تمثلان هذا المشهد وكأنّ الأمر يعني شيئاً مهماً. إنها مسألة تافهة، واذا لم أحلّها سأنجز حتماً فيلماً سيئاً ولكنني لن أموت. هذا ما أفعله: ألهي نفسي وأشتتها

كنت أطمح الى أن أخرس اليوم، ولكن... كوبولا

صورة
كنت أطمح الى أن أخرس اليوم، ولكن..."، هذا ما قاله كوبولا قبل أن ينزل عليه الوحي فجأة ويقدم خطاباً تنويرياً من دون أن يلتقط أنفاسه الا بعد 12 دقيقة سحبة واحدة. "لا تخطئوا وتعتقدوا ان الفنان مسؤول عن فنه بمجرد ان لدى الفن القدرة على تغيير العالم. فالفنانون لا يملكون الكلمة الفصل في فنهم. اليوم، اذا أردتَ أن تعرف مَن الذي يقود العالم، فعليك أن تعرف مَن الذي يموّل الفنانين. انها الشركات الكبرى. لطالما أثارت الطبيعة اهتمامي. في الأدغال مثلاً، ثمة عشب قد يسممك وبالقرب منه ثمة عشب يداوي مرضك. لهذا، أجد انه ليس هناك أروع من ان تولد السينما التي أثرت كثيراً في البشر، في فترة التأكد من أخطار النووي. أشبّه حالنا ببروميثيوس الذي تمّ أسره لأنه سرق النار. النار نوع من استعارة للسينما. السينما يمكن أن تغيّر الكثير لكنها ليست حرّة. اللغة السينمائية ابتُكرت في القرن الماضي على يد رواد أتيحت لهم أن يجرّبوا، لكنهم اليوم لم يعودوا يتجرأون على الاختبار. طبعاً، جاء المسرح قبلهم بمئات السنين، ولكن لا شيء في المسرح يجعلك تستمد فكرة أن تصوّر لقطة شاملة ثم تنتقل فجأة الى كلوز آب. تخيّل كم كا

نهاية نهار – فرناندو بيسوا

صورة
أحيانًا أفكّر، بمتعةٍ حزينة، فيما لو كتب ذات يوم لهذه العبارات التي أكتبها، في مستقبلٍ منذ الآن لا أنتمي إليه، أن تحيا مقرونةً بالثناء، فَسَأكْتَسِبُ في النهاية الناس الذين “يفهمونني”، العائلة الحقيقية التي سأولد فيها وفيها سأغدو محبوبًا، لكن بعيدًا عن الوصول إلى الولادة فيها، سأكون قد متّ من زمنٍ طويل. سأغدو مفهومًا في الصورة المطبوعة فقط، حين لا يكون بإمكان الحبّ أن يعوّض مَن مات تلك المجافاة التي وحدها كانت من نصيبه عندما كان على قيد الحياة. ذات يوم ربما يدركون أنني، أكملت، كما لم يفعل أيّ شخصٍ آخر، واجبي منذ الولادة كترجمانٍ لجانب من قرننا هذا؛ وعندما يفهمون ذلك عليهم أن يسجِّلوا أنني لم أكن مفهومًا في الحقبة التي عشتها، وأنني عشت، مع الأسف، بين أشكالٍ من الجفاء واللامبالاة، وأنه من المؤسف أن يكون هذا ما حدث لي. والذي يكتب هذا سيكون، في الحقبة التي يكتبه فيها، غير فاهمٍ ولا مدرك، مثل مَن يحيطون به، لشبيهي في هذا الزمن المُستقبلي، ذلك لأنَّ الناس فقط يتعلمون من أجدادهم الذين ماتوا. ووحدهم الموتى من نعرف تعليمهم القواعد الحقيقية للحياة. في العشية التي أكتب فيها، توقّف المطر،

من كتاب اللاطمأنينة _ فرناندوا بيسوا

صورة
لو يأتي اليوم الذي أصير فيه آمناً من الناحية المالية، بحيث أستطيع أن أكتب وأنشر على سجيتي فإني أعرف بأني سأفتقد هذه الحياة المقلقة التي أكتب فيها بمشقة ولا أنشر على الاطلاق. لن أفقدها لأنها حياة فحسب، مهما كانت وضيعة، لن أحظى بها مرة أخرى أبداً، بل أيضاً لأن كل حياة تتحلى بمزايا خاصة ومتعة تخصها هي وحدها، وعندما نزاول حياة أخرى، حتى لو كانت خيراً من سالفتها، لن تكون تلك المتعة كما تخيّلناها، وستبدو تلك المزايا الخاصة أقل خصوصية، ريثما تضمحل ويبقى منها شيء نفتقده. لو أفلحت يوماً في تنكب صليب نواياي الى الجلجلة الخيّرة، فسوف أجد جلجلة أخرى في تلك الجلجلة الخيّرة، وسأفتقد الوقت الذي كنت فيه عبثياً، وضيعاً وناقصاً. بشكل من الأشكال سأكون أقل مما عهدته. أنا متعب. قضيت نهاراً طويلاً ممتلئاً بعمل أحمق في هذا المكتب المهجور تقريباً. موظفان غائبان بسبب المرض، والآخرون ليسوا هنا. أنا وحيد، باستثناء صبي المكتب في الخلف. أفتقد المستقبل الذي سألتفت فيه وأفتقد كل هذا، مهما كان سخيفاً. ثمة ما يستدرجني كي أتساءل أي آلهة تبقيني هنا، كأنني في خزينة موصدة، في مأمن من أحزان الحياة ومسرّاتها أيض

انك تحتاج _ عبدالله القصيمى

صورة
انك أحياناً لمحتاج إلى أن تكون وحشاً في قسوتك، إلى أن تصبح عيناك حجراً، وحواسك افتراساً وذنوباً، لكي تستطيع أن ترى إنساناً أو مجتمعاً كما هو بكل تشوهاته وآلامه وعاهاته وذنوبه وفضائحه وهمومه. وإنك لمحتاج إلى أن تخرج من كل حدود الإنسان، من كل ماضي الإنسان، من احتمالات الاحتشام والاغضاء والاستحياء والاشمئزاز والعطف والبكاء والرثاء، لكي تستطيع أن ترى الإنسان العربي يمارس فضائح أيامه الستة، أو تقتنع بانه قد مارسها، أيوجد إنسان بكل هذا الضعف؟ ايوجد قوم بكل هذا الضعف؟ لهم كل هذه الامكانيات والظروف والثروات والدعاوي؟ لهم كل هذه المحاياة والدلال العاليين؟ أيوجد من يستطيع أن يحدق فيهم، في وجوههم؟ وإننا أحياناً لنجبن أو نرتجف أو نعاني أو نرفض أن نرى بأبصارنا أو نقتنع بعقولنا، بقدر ما نجبن أو نرتجف أو نعاني أو نرفض أن نجرح أو نقتل بادوات قتالنا المختلفة. إن القدرة على الرؤية والاقتناع قد تكون تعبيراً من تعبيرات القدرة على الهجاء، والتحقير والتشويه والقتال والتعذيب، قد تكون جريئاً على أن ترى وتقتنع لأنك جريء على أن تهجو وتحقر وتشوه وتضرب. وقد تعجز عن هذا لإنك عاجز عن ذلك، قد تعجز عن الرؤ