المشاركات

من مذكرات الأرقش/ ميخائيل نعيمة

صورة
ألا أغمضي عينيك أيتها الحريّة ،وأشيحي بوجهك عن الناس ثم لاتعجبي لهم،ولاتعتبي عليهم،ولاتدينيهم بجهلهم،ولا تحرقي شفاههم كلّما تلفّظوا باطلا بإسمك القدوس. فشفاههم لاتنطق بما في قلوبهم،بل بما يتمنون لو كان في قلوبهم. والّذي في قلوبهم هو الرِّق في أخسِّ مظاهره ومعانيه. رِقُّ الإنسان للإنسان.والذي يتمنون لو كان في قلوبهم هو روحك الطاهرة أيتها الحرية الطاهرة،السافرة،المقدّسة والمقدّسة. لذلك يمجِّدون إسمك بشفاههم ويدوسون جسدك بنعالهم. ولقد رأيتهم اليوم بعيني يسحقونك بأقدامهم ،وسمعتهم بأذنيّ يهتفون:يحيّ الملك! ومعنى ءلك :يحيِّ الرِّق! والموت للحريّة !فهم إذ يهتفون بحياة الرِّق لايدركون أنّهم بموتك يهتفون. وهم إذ يسيرون في موكب الرِّق لايعرفون أنّهم في جنازتك سائرون. ليس العبد من يباع ويشترى في سوق النّخاسة.وإنّما العبد من قلبه سوق للنخاسة. لذلك سكتُّ والناس يهتفون. 

أريد أن أقرأ شعراً / مهدي سلمان - البحرين

صورة
أريد أن أقرأ شعراً، كل قصيدةٍ لكل شاعرٍ منسيّ، أريد أن أملأ صدري بعواء الأصابع، وأقف على أطراف الليل المهدوم، ناظراً للسماء المثقوبة ببياض القمر. أريد شعراً خاسراً ومهزوماً، حاقداً ومهترئاً لأقرأه في حفرة روحي، أريدُ أبياتاً سقطت أسنانها الأمامية إثر لكمةٍ وحشية، قصائد مزقت الشمس أسمالها في صيفٍ قائظ، مخطوطاتٍ تعضُّ الترابَ، كأنها أنين الفريسة الأخير. أريدُ قصيدة أصرخها، أخمشُ بها إبهام الأبدية. يا كل القصائد المكتوبة على علب السجائر الفارغة، المحفورة على الأشجار الميتة، المطبوعة بحبر الوجع السريّ، المهملة في سلال الحدائق الذابلة. يا كل النصوص المصابة بالخرس المكابد. اشرحيني وشرّحيني، ضعي على فمي الآه الكونية التي لا أجرؤ على زفرها. أيها الشعر، البسيط جدا كتحية صباح، المهمل كطلب توظيف، ها أنت مرة أخرى محط سخرية الجميع، فقط لأنك لم تحظ بجائزة أو درجات عالية كتلميذ مجتهد... أكثر ما يعجبني فيك أنك لا تهتم، العالم كله يتحول عنك، ولا تهتم. كمنبوذ تركلك أقدام المارة، صدفة فقط يا صديقي. حتى أنهم لم يكترثوا بك ليركلوك عن سابق إصرار. وأنت أيها المسكين الجميل، بجنونك الغريب تسأل كل من

" ماذا علمتني الحياة " لــ د. جلال أمين

صورة
لا زلت أشعر ببعض الألم ووخز الضمير حتى الآن، كلما تذكرت منظر أبي وهو جالس فى الصالة وحده ليلا، فى ضوء خافت، دون أن يبدو مشغولا بشيء على الإطلاق، لا قراءة ولا كتابة، ولا الاستماع إلى راديو، وقد رجعت أنا لتوي من مشاهدة فيلم سينمائى مع بعض الأصدقاء. أحيي أبى فيرد التحية، وأنا متجه بسرعة إلى باب حجرتى وفى نيتى أن أشرع فورا فى النوم، بينما هو يحاول استبقائي بأي عذر هروبا من وحدته، وشوقا إلى الحديث فى أى موضوع. يسألنى أين كنت فأجيبه، وعمن كان معى فأخبره، و عن اسم الفيلم فأذكره، كل هذا بإجابات مختصرة أشد الاختصار وهو يأمل فى عكس هذا بالضبط. فإذا طلب منى أن أحكى له موضوع الفيلم شعرت بضيق، و كأنه يطلب منى القيام بعمل ثقيل، أو كأن وقتى ثمين جدا لا يسمح بأن أعطى أبى بضع دقائق. لا أستطيع حتى الآن أن أفهم هذا التبرم الذى كثيرا ما يشعر به شاب صغير إزاء أبيه أو أمه، مهما بلغت حاجتهما إليه، بينما يبدى منتهى التسامح وسعة الصدر مع زميل أو صديق له فى مثل سنه مهما كانت سخافته وقلة شأنه. هل هو الخوف المستطير من فقدان الحرية والاستقلال، وتصور أى تعليق أو طلب يصدر من أبيه أو أمه وكأنه محاوله للتدخل فى ش

ماذا قال الشيطان للكاهن- دوستويفسكي 

صورة
قال الشيطان للكاهن : ” مرحبا أيها الأب الصغير السمين ! ما الذي جعلك تكذب هكذا على هؤلاء الناس المساكين المضللين؟ أي عذابات من الجحيم صورت لهم؟ ألا تعلم أنهم يعانون أصلاً عذابات الجحيم في حياتهم على الأرض؟ ألا تعلم أنك أنت وسلطات الدولة مندوباي على الأرض؟ إنك أنت من تجعلهم يعانون آلام الجحيم الذي تهددهم به . ألا تعلم هذا ؟ حسنا إذاً ، تعال معي !؟ شد الشيطان الكاهن من ياقته ، ورفعه عالياً في الهواء، وحمله إلى مكان سبك الحديد في مصنع . وهناك رأى العمال يركضون على عجل ذهاباً وإياباً ، يكدحون في الحرارة الحارقة . وسرعان ما يفوق الهواء الثقيل مع الحرارة احتمال الكاهن ، فيتوسل إلى الشيطان والدموع في عينيه : “دعني أذهب ! دعني أترك هذا الجحيم !”. ” آه، يا صديقي العزيز ، يجب أن أريك أماكن أخرى كثيرة ”. ويمسك به الشيطان مرة أخرى ويسحبه إلى مزرعة. وهناك يرى العمال يدقون الحبوب . الغبار والحرارة لا يحتملان . ويأتي المراقب حاملاً سوطاً، يهوي به بلا رحمة على كل من يقع على الأرض عندما يغلبه الإرهاق من العمل الشاق أو الجوع . وبعدها يأخذ الكاهن إلى الأكواخ التي يعيش فيها أولئك العمال مع أسرهم .

النصف / جبران خليل جبران

صورة
لا تجالس أنصاف العشاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لأنصاف الموهوبين،لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت،لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل، إذا صمتّ.. فاصمت حتى النهاية، وإذا تكلمت.. فتكلّم حتى النهاية، لا تصمت كي تتكلم، ولا تتكلم كي تصمت. إذا رضيت فعبّر عن رضاك، لا تصطنع نصف رضا، وإذا رفضت.. فعبّر عن رفضك، لأن نصف الرفض قبول.. النصف هو حياة لم تعشها، وهو كلمة لم تقلها،وهو ابتسامة أجّلتها، وهو حب لم تصل إليه، وهو صداقة لم تعرفها.. النصف هو ما يجعلك غريباً عن أقرب الناس إليك، وهو ما يجعل أقرب الناس إليك غرباء عنك. النصف هو أن تصل وأن لاتصل، أن تعمل وأن لا تعمل،أن تغيب وأن تحضر.. النصف هو أنت، عندما لا تكون أنت.. لأنك لم تعرف من أنت، النصف هو أن لا تعرف من أنت.. ومن تحب ليس نصفك الآخر.. هو أنت في مكان آخر في الوقت نفسه. نصف شربة لن تروي ظمأك، ونصف وجبة لن تشبع جوعك،نصف طريق لن يوصلك إلى أي مكان، ونصف فكرة لن تعطي لك نتيجة النصف هو لحظة عجزك وأنت لست بعاجز.. لأنك لست نصف إنسان. أنت إنسان وجدت كي تعيش الحياة، وليس كي تعيش نصف حياة ليست حقي

رسائل كافكا إلى ميلينا

صورة
" في هذه اللحظة أنا مشتّت وحزين ، أضعت برقيتك ، كيف حدث ذلك لا يمكنها أن تضيع ! إن ذلك سيئ ، إنني أبحث عنها، إنه خطؤك أنت ! لو لم تكوني بمثل ذلك الجمال لما اضطررت أن أحملها طوال الوقت معي " هذا مجتزأ من رسالة بعثها كافكا في 31 تموز (يوليو) 1920 إلى ميلينا فور سماعه بنبأ مرضها ، وفيها يتحدّث كافكا عن المرض مسهباً بعد المقدمة المجتزأة آنفة الذكر : « والآن ماذا قال عن الالتهاب على رئتيك ؟ لا أتوقّع أنه نصحك بالصيام أو حمل الأمتعة ؟ وهل نصحك بأن عليك أن تتحسّني لأجلي ؟ أم إنه لم يذكرني إطلاقاً ؟ » . كمّ الأسئلة في الرسائل المدوّنة عظيم ، لا تكاد تخلو رسالة من سؤال ! صحيح أنّه أمر بديهي في أي رسالة ، لكن مع كافكا تغدو المسألة أعمق ، فأسئلة كافكا تدور حول أشياء يعتقد القارئ لأعماله الأخرى أنه مُقدمٌ على كتابة الأجوبة على تلك الرسائل في شكل نصٍّ سردي . هذا ما يجعل التأمّل في لحظات كتابة كافكا لتلك الرسائل وحالته النفسانيَّة أمراً ملغزاً ودونما فائدة من دون استعمال التخيّل واستحضار جمال ميلينا التي التقاها للمرة الأولى في فيينا ، لتصبح فيما بعد المتنفس والحلم الأكبر لكافكا أو ر

الروائي ستيفان زيفايج " كازانوفا "

صورة
ان كل فنان حقيقي يعيش الجانب الاكبر من حياته منعزلا ، منطويا علي نفسه ، في صراع متصل مع عمله الابداعي .. وهو صراع يقتضيه الا يفرغ للتجربة المباشرة للحياة ، بل للتجربة غير المباشرة ، تجربة الحياة في خضم المخيلة .. لا يستطيع أن يمنح جماح نفسه للحياة ولذاتها المباشرة الصافية الا انسان بلا أبداع .. الحياة عنده غاية ، لا مجرد وسيلة للفهم والاحساس والخلق الفني . الفنان والشهوان لهما هدفان متعارضان : الفنان يطلب ما هو حق ، وما هو نور .. والشهوان يطلب ما هو حس ، وما هو حرارة .. الفنان يطلب ما هو باق .. والشهوان يطلب ما هو عارض .. وما جعل الله لامري من قلبين في جوفه .. ولن يخدم المرء سيدين في وقت واحد .. لذا كان علي من ينشد غاية ان يوجه كل طاقته الي بلوغها ، متخليا عن غيرها من الغايات . وقد اختار " جيته " و " روسو " ومن اليهما غاية الفكر والفن ، وأستأثر " كازانوفا " بغاية اللذة .. وكل ميسر لما خلق له ..! والمعهود في طلاب اللذات العارضة ، والمسرات اليسيرة ، ان يكونوا علي نقيض أرباب الفنون الموهوبين .. فهم عاجزون عن وصف تجاربهم ذات الاصداء والاطياف المتباينة ، و

أسطورة بيغماليون

صورة
تحكي الأسطورة أنه و قبل قرون طويلة، كان هنالك نحّات تماثيل يوناني بارع من قبرص يدعى بجماليون، كان يكره النساء، و كان يراهم مخلوقات ناقصة لا تصلح لأن يضيع وقته الثمين معهم. لكنه ولسبب ما صنع تمثالاً من العاج يمثل امرأة جميلة، ربما لأنه أراد أن يصحح نواقص النساء و يصنع نموذجه المثالي للأنوثة .. وكان التمثال جميلاً لدرجة أنه كان يبدو حقيقياً، حتى وقع النحّات في حبه، زين النحات تمثال المرأة باللباس الغالي واللؤلؤ و ألبسها أجود الأقمشة وأسماها جالاتيا، ولشدة حب النحّات لتمثاله تمنى لو تدب فيها الروح وتمنح الحياة، وذات يوم كان له ما أراد حيث حققت له الهة الحب أفرودايت أمنيته بعد ما رأت فيه من شوق و لهفة، فدبت الحياة في التمثال لتكون امرأة فائقة الحسن والجمال، حتى أحبها بيجماليون حباً جماً، لكنه بمرور الأيام، وقعت المرأة في حب شاب وسيم ولم تبادل النحات الذي صنعها الحب، فندم النحات على أمنيته، وتمنى لو تعود تمثالاً كما كانت فكان ما أراد، وما ان عادت تمثالاً حتى أمسك بفأس غليظة وأنهال على تمثال جالاتيا حتى هشمه الى قطع صغيرة وهو يبكي وينتحب حبه الضائع .. هذه الحكاية التي قد تبدو بسيطة أول

دوستويفسكي مذلون مهانون 

صورة
أما آن لهذه الشمعة أن تنطفئ ؟ سؤال تبادر إلى ذهنه بينما يرقد على سريره في غرفته وحيدا ، يلفظ أنفاسه الأخيرة مسلطا عيناه المجهدتين على شعلة الشمعة المتراقصة كان يراهن نفسه أنه مع إنطفاء هذه الشمعة ستنتهي معاناته ، و توضع نقطة النهاية لحياته . حاول أن ينهض عن سريره ، يريد أن يذهب إلى مكتبه الصغير كي يخرج مخطوطات رواياته ويتأملها ويقضي أخر لحظاته بصحبة أبطالها ، الأبطال الحقيقين أحيانا والخيالين أحيانا أخرى . إبتسم فور تذكره لرهانه القديم مع نفسه بأنه سوف يموت وحيدا يوما ما بينما يتصفح كتاباته وها هو يكسب الرهان . داعب الأوراق بأنامله قربها من أنفه كي يستنشق رحيقها ، دموعه الساخنة ترقرقت وإنهمرت على خديه الشاحبين ضم الأوراق إلى صدره محدقا إلى سقف الغرفة ، وبدأ يسترجع أحداث الرواية حكايته معهم ؛ مع أقرب خلق الله إلى قلبه . تذكر أليوشا ذالك الشاب السادج طيب القلب المسلوب الإرادة حث في الحب ، الشاب الذي عذب قلبه الشاب وعذب قلوبا أخرى معه ، شاب لا يدرى هل يحب أم يكره ، أيحب على قلبه البريئ الذي لا يخلو من طفولة صادقة و فطرة نقية وحب صافي أم يكره على ضعف إرادته و خنوعه لوالده ، آه يا أل

من المشهد الاول بالفصل الثاني من مسرحية بايزيد تأليف جان راسين

صورة
روكسان:لا لم اعد اريد شيئاً لا تثقل علي أكثر من هذا بحججك المتكلفة :اني أرى أي مدى يفصل بين رغباتك وخواطري. لم اعد أتعجلك أيها الجاحد على ان تستجيب لها عد الى العدم الذي انتشلتك منه على أي حال ماذا يعوقني وأي دليل آخر على عدم اكتراثي يمكنني ان أطالبه به ,هل تؤثر في هذا الغادر لهفتي في ارضاءه هل سيدخل الحب نفسه في اعتباراته آه اني أدرك نواياك ,انك تعتقد مهما فعلت أنا أن الاخطار التي تحيق بي تضمن العفو عنك وان ارتباطي بك بمثل هذه الروابط المتينة يجعلني لا استطيع ان افصل مصالحك عن مصالحي ولكن مازلت اجد مخلصاً لنفسي في طيبة أخيك انه يحبني كما تعلم ,وبالرغم من غضبه ان في وسعي ان اكفر عن كل ذنوبه ,في دمك الغادر ,وسيكون موتك كافيأ لتبرئة ساحتي حذاري ان يساورك الشك في هذا اني مبادرة لإنهاء هذا الأمر ,ففي هذه اللحظة بالذات أي بايزيد اصغ الي اني أحس بأني أحبك ,انك تسير الى حتفك حذاري ان تدعني أخرج ان الطريق مازال مفتوحاً أمامك للتوبة لا تبعث اليأس في قلب عاشقة غضبى اذا أفلتت كلمة من بين شفتي فعلى حياتك السلام. 

دينو ريزي في كتاب مذكراته"وحوشي"

صورة
"في الثالث والعشرين من ديسمبر ٢٠٠٣، بلغتُ السابعة والثمانين. لم أفكّر أنني سأتجاوز عتبة العام ٢٠٠٠. هذا تطلّب مني ان أعيد حساباتي من جديد. كلّ أصدقائي رحلوا. الكلّ أصغر مني سنّاً. أسأل نفسي عمّا اذا كانت مكافأة أم عقاباً ان أبقى حيّاً بعد رحيلهم. راجعتُ ضميري. لا أعتز بنفسي. كنت أبلهاً، خائناً، كذّاباً، منافقاً، غير محترم، مملاً، حزيناً، غيوراً، محبطاً. ولكن كنت أيضاً محبّاً، كريماً، حالماً، فرحاً، متردداً، جاهلاً، ساذجاً، مهذباً، نزيهاً. أحببتُ كثيراً الطبيعة، البحر، النساء، السينما، المسرح، السفر، الكتب، الموسيقى، النبيذ، الفراولة بالكريما، السباغيتي، الشوكولاتة الساخنة، المعجنات. بكيتُ وأنا أشاهد "مدينتنا الصغيرة" لثورنتن وايلدر في الـ"أوديون" ــ ميلانو، بكيتُ يوم اغتيال كندي، بكيتُ عندما مات الأمير اندره (في "حرب وسلم")، بكيتُ عندما مسكت بائعة الورد، التي لم تعد عمياء، يد تشارلي شابلن، في "أضواء المدينة". كرهتُ ستالين وماو تسي تونغ، كرهتُ "البطل" الذي وضع القنبلة في فيللا رازيللا، كرهتُ اريكا (١٦ سنة) التي قتلت أمها وش

من رسائل الأديب الانجليزي جورج برنارد شو إلى حبيبته كشاريل

صورة
العالم مكان قاسٍ جداً على الذين يشعرون بكل شيء بكل قوة مثلي، على الذين لا يعرفون كيفية التخلي، والذين لا يعرفون كيفية النوم ليلاً اثر ثقل خيبات الصباح، الذين يملون من كل شيء إلا من الشيء الوحيد الذي يمل منهم كل مرة في النهاية، الذين يتحدثون بسرعة، أو لا يتحدثون على الاطلاق، الذين لا يحبون الخطط، ولا يعرفون الرد على الهاتف، الذين يحبون بكل صدق كل ما لا يستحق، كل مرة، ولا يتعلمون ! الذين يتم جرحهم بكل سهولة ويتم البوح بذلك بكل صعوبة، الذين يحملون خيباتهم داخل جيوب معاطفهم القديمة، والذين يلبسون نفس الجينز كل يوم، الذين يحبون المشي ويكرهون الركض لأنهم ركضوا كثيراً، وراء الكثير، بطرق غير مباشرة. العالم مكان قاسٍ جداً، وأنا اصبحت مثله تماماً يا كشاريل. 

  إميل سيوران«السقوط في الزمان»

صورة
«ما جدوى تعجّبنا، نَدَمنا؟ ألسنا نبصر المظاهر الزائفة في كل مكان تظفر على الجوهر، والاضطراب على السكينة؟ ألا يلوح علينا أننا نشهد عذابات الاحتضار لهذا الحصين إزاء الهلاك؟ كل خطوة قُدُمًا، كل شكل من الدينامية، يستتبع شيئًا إبليسيًّا: "التقدم" هو المكافئ الحداثي للسقوط، النسخة الدنيوية للَّعن [بإزاء اللعن أو الإدانة المسيحية]. ومروِّجونه هم هؤلاء الذين يعتقدون به - بتعبير آخر: نحن جميعًا، إذ أي شيء نحن سوى جيش المحكوم عليه باللعنة، المحتوم بالكريه، بهذه المَكِنات، بهذه المدن التي لا يمكن أن يخلّصنا شيء منها سوى كارثة شاملة؟ وحينها، لمرة واحدة وإلى الأبد، ستتسنى الفرصة لاختراعاتنا كي تثبت جدواها وترد الاعتبار إلى نفسها في أعيننا. إذا كان "التقدم" شرًّا جسيمًا، فما لنا لا نفعل شيئًا كي نحرر أنفسنا منه دونما مزيد من التأخير؟ ولكن أنريد ذلك حقًّا؟ أليس الأحرى أن لا نريد هو قدرنا؟ في ضلالنا، "الأفضل" هو ما نريده، هو ما نهتمّ بحيازته: كل سعيٍ ضروسٍ، في أي بقعة، مناقض لسعادتنا. المرء لا "يكمل" نفسه ولا "يتقدم" دون دفع ثمن ذلك. الحركة -كما

فيودور دوستويفسكي / من رواية الشياطين

صورة
هناك لحظات تدوم خمس ثوان أو ستاً تحس أثناءها فجأة بحضور الإنسجام الأبدي, وبأنك بلغت هذا الإنسجام الأبدي . ليس ذلك شيئاً أرضياً : لا أقول أنه سماوي, ولكنني أقول أن الإنسان من جانبه الأرضي عاجز عن إحتماله . فيجب أن يتغير جسم الإنسان أو يموت . إنه شعور واضح, لا جدال فيه, مُطلق . تدرك الطبيعة كاملة على فجأة, وتقول لنفسك: نعم , هذا هو, هذا حق. حين خلق الله العالم كان يقول في آخر كل يوم : " نعم , هذا خير, هذا عدل;هذا حق". ليس ذلك نوعاً من ترقق العاطفة والحنان . إنه شيء آخر . إنه فَرح . وأنت عندئذ لا تغفر شيئاً, إذ لا يبقى ما تغفره . وليس ذلك حباً . آه... إنه فوق الحُب . الأمر الرهيب هو أنه واضح وضوحاً مخيفاً مُروعاً . غيرَ أن فرحاً واسعاً يغمر كل شيء ! لو دام أكثر من خمس ثوانٍ, لما إستطاعت النفس أن تتحمله ولكان عليها أن تزول . في هذه الثواني الخمس أحيا حياةً بكاملها, وإني لمستعد في سبيلها أن أهب حياتي كلها ... لأن هذه الثواني الخمس تساويها . من أجل أن يستطيع المرء إحتمال ذلك عشر ثوان يجب أن يتغير جسمه . وأظن أنه يجب على الإنسان أن يَكف عن التناسل . لماذا الأطفال,

فائدة الأدب؟ ماريو بارغاس يوسا

صورة
يقول '' ماريو بارغاس يوسا '' الروائي والصحفي الاسباني في احدى مقالاته : كان '' بورخيس '' ينزعج كثيرًا كلما سُئِلَ “ما هي فائدة الأدب؟”  كان يبدو له هذا السؤال غبيًا. لدرجة أنه يود أن يجيب بأنه:  “لا أحد يسأل عن فائدة تغريد الكناري ، أو منظر غروب شمس جميل”. إذا وُجد الجمال ، وإذا استطاع هؤلاء ولو للحظة أن يجعلوا هذا العالم أقل قبحًا وحزنًا ، أليس من السخف أن نبحث عن مبرر عملي !؟ يعود ''يوسا'' ليؤكد أنه لايوجد من يعلمنا أفضل من الأدب أننا نرى برغم فروقنا العرقية والاجتماعية ثراء الجنس البشري، ولايوجد ماهو مثل الأدب لكي يجعلنا نكافئ ونمجد فروقنا بوصفها مظهرًا من مظاهر الإبداع الإنساني متعدد الأوجه. قراءة الأدب الجيد هو مصدر للمتعة بطبيعة الحال، ولكنه أيضًا تجربة لنعرف من نحن وكيف نكون، بعيوبنا وبنقصنا، من أفعالنا وأحلامنا وأشباحنا، وحيدين وفي العلاقات التي تربطنا مع الآخرين، في صورتنا العامة الظاهرة لدى الآخرين أو في تجاويف وعينا السرية.

نشيد الثمل / هكذا تكلم زرادشت  

صورة
أيها الرجال الراقون ما تراكم تحسبونني؟ أنبيٌّ أنا أم متوهم أم ثامل أم معبر أحلام أم جرس يدوي في نصف الليل؟ أأنا ندى أم بخور من الأبدية؟ أفما سمعتم؟ أفما شعرتم بأن عالمي قد اكتمل؟ إن نصف الليل هو الظهيرة أيضًا. إن الألم لذة واللعنة بركة والليل شمس مشرقة. ابتعدوا كيلا يقال عنكم أيضًا إن الحكيم مجنون. إذا كنتم أحسستم بفرح فقد أحسستم أيضًا بجميع الأتراح، فجميع الأشياء متسلسلة متداخلة متعاشقة. أفما اشتهيتم أن تعود المرة مرتين فهتفتم ارتياحًا للذة لحين من الدهر ولطرفة عين؟ إنكم بهذا التمني وددتم لو تعود الأشياء جميعها متسلسلة متداخلة متعاشقة، وهكذا أحببتم العالم، أيها الخالدون، فكان حبكم أبديًّا لا نهاية له. قلتم للآلام أن تنقضي ولكنكم دعوتموها لتعود؛ لأن كل لذة تطلب الخلود. 

واصل/ محمد زياد الترك / شاعر وكاتب أردني

صورة
عندما تَطَلقت أمي ورحلت في حال سبيلها أجبرنا والدي على عدم زيارتها وكانت الأيام كفيلة بأن أنساها وأعتاد على زوجة الأب السيئة .. أخي الذي كان يغيب عن المنزل لليلةٍ أو اثنتين لم يأبه حين يعود للعقاب الذي ينتظره ومع الكثير من الركل والصفع كان يتظاهر .. أنه فاقد للوعي . فينفذ من الاعتراف عن مكان غيابه . كنت صديق أخي الوحيد مع ذلك لم يخبرني أيضًا أين كان يقضي الأيام التي يغيبها . ربما لأني كنت جبانآ وأخاف من ظلي . يومآ أتذكر أنه دام على غياب أخي أكثر من ثلاث أيام .. وكان والدي يشتاط غضبًا ولكثرة ما أغدقت زوجة أبي على رأسه بخصوص أخي توعد أبي أنه سيتسبب لأخي بموتآ مؤقتآ من شدة الضرب هذه المرة .. وما هي إلا ساعة واحدة .. وكان أخي ممددآ على أرضية الغرفة .. غارقًا بدمائه بلا حراك .. مات أخي ..حينها أدركت أن الوحدة كفيلة أيضًا بجعلي أنساه هو الآخر أو أتناساه وفي ليلةٍ باردة كنت أبعثر بين أغراض أخي .. فوجدت تحت وسادته رسالة رسالة خائفة قال فيها : " واصل زيارة أمنا .. فهي عمياء .. ولن تفرق بين صوتك وصوتي .. واصل رعايتها .. حتى لو كنت تحت التعذيب .. لكن لا تشعرها أبداً أن أحدنا قد رحل

ذكريات من منزل الاموات / دوستويفسكي

صورة
كنت، وانا محاط بمئات من الرفاق، اشعر بوحدة هائلة و عزلة رهيبة، وانني وصلت مع ذلك الي ان احب هذه الوحدة و هذه العزلة. كنت و انا معتزل استعرض حياتي السابقة، واحلل ادق تفاصيلها، و اطيل التفكير فيها، و احكم علي نفسي بغير رحمة و لا شفقة، حتي لقد كنت في بعض الاحيان اشكر للقدر انه فرض علي هذه العزلة التي لولاها لما استطعت ان احكم علي نفسي و لا ان انفذ الي قرارة حياتي الماضية. و ما اكثر الامال التي كانت تنبت في قلبي حينذاك ! كنت افكر و اقرر و احلف ان لا اقارف في المستقبل ما قارفت في الماضي من اخطاء و ان اتجنب السقطات التي حطمتني.ووضعت برنامجاً لمستقبلي، و آليت علي نفسي ان التزم هذا البرنامج فلا اخرج عنه بل ابقي وفيا له. و كنت اؤمن ايماناً اعمي بانني سانفذ كل ما اردت، و بانني استطيع ان انفذ كل ما اردت. كنت انتظر حريتي، و اناديها في حرارة و حماسة. كنت اريد ان اجرب قواي مرة اخرى في كفاح جديد. و كان يلم بي في بعض الاحيان شوق محموم ينفذ لي صبري و يخنقني خنقا. انني اتألم الان من مجرد ايقاظ هذه الذكريات.

رسالة من امرأة مجهولة / ستيفان زفايغ

صورة
ألف الكاتب النمساوي ستيفان زفايغ سنة 1922 رواية "رسالة من امرأة مجهولة" ،التي تحدث فيها عن كاتب مرموق تصله في عيد ميلاده الأربعين رسالة من شخص مجهول الهوية ... رواية قدم فيها الكاتب دروسا في علم النفس ،محللا شخصية الانثى مرهفة الأحاسيس ،ناقش الحب من جانبه العذري او الافلاطوني بطريقة جد متميزة تكاد تكون علمية ... استنتاج : عندما يحدث ان يتعلق القلب بطريقة مستورة ،نعم .. حين تكبح المشاعر و تتلبد الاحاسيس ،آنذاك يتعذب المرء. الاعتراف احيانا نجاة رغم ألمه ،فالألم ليس إلا جبنا ،من يخشى الألم يعيش أبد الدهر بين حفر الندم ،مغطى بتراب الشماتة . هذا ما يحدث لكاتبة الرسالة ،ذات القلب العذري النابض لشخص غير مدرك بوجودها !! . خسرت معركة العاطفة بلعبة التستر و الكتمان. تعلمت عدم كبح مشاعري خاصة اذا كانت صادقة ،هكذا على الاقل سأعيش بسلام ،الرفض هو الأصل و القبول استثناء  ،أيا كانت ردود الأفعال ،فلطالما كان الاعتراف الصريح قطرة تشفي الغليل . أحيانا يفاجئنا من كنا نعتبر أن قلبه من حجر ،بقذفه لمياه تسقي عواطفنا الجافة بالانتظار ...

زوربا / نيكوس كازانتزاكيس

صورة
كانت السماء صافية تماما والنجوم تبدو كبيرة متدلية من السماء ككرات من نار، بينما بدا الليل مثل وحش اسود كبير يجثم على الشاطئ. وازدحمت الكنيسة الدافئة بالقرويين. فوقف الرجال في المقدّمة أمام النساء، وعقد الجميع أيديهم فوق صدورهم. بينما اخذ الأب ستيفانوس، بقامته الطويلة وثوبه الموشّى بالذهب ووجهه الشاحب بعد صيام أربعين يوما، يروح ويغدو بخطى واسعة ويترنّم بأعلى صوته وبسرعة لكي يعود على عجل إلى بيته حيث تنتظره مائدة مثقلة بالحساء والشواء وسائر الأطعمة الشهيّة . ولو لم تقل الكتب المقدّسة أن النور ولد في مثل هذه الليلة لما نشأت الأسطورة وملأت الدنيا، ولمرّ الحادث كأيّ ظاهرة طبيعية عادية دون أن يلهب الأخيلة. لكن النور الذي ولد في صميم الشتاء أصبح طفلا والطفل أصبح إلها دانت له النفوس والأرواح عشرين قرنا. كنت سعيدا وقلت لنفسي: هذه هي السعادة الحقيقية. أن يعيش الإنسان بلا مطامع ويعمل ويكدّ كأنّ له ألف مطمع. وأن يحبّ الناس ويعمل لخيرهم دون أن يكون في حاجة إليهم. وأن يأكل ويشرب ويشترك في أعياد الميلاد دون أن يتورّط في المتاعب أو يقع في الفخاخ. وأن يسير على الشاطئ والنجوم فوقه والبحر إلى يم