المشاركات

في الفراغ \ عبد السلام بنعبد العالي

صورة
  نقرأ في كتاب التاو تي تشينغ : ” تلتئم أشعة العجلة عند المركز والفراغ. بفضل هذا الفراغ تتحرك العربة. يصنع الإناء من الطين، غير أن فراغه هو الذي يجعله صالحا لوظيفته. تخترق المسكن أبواب ونوافذ، بيد أن فراغها هو الذي يجعله قابلا للسكنى. وهكذا نصنع أشياء، غير أن فراغها هو الذي يعطيها معنى. ما يعوز، هو ما يمنح أسباب الوجود”. حينما ينظر الفكر المعاصر إلى الكائن على أنه تصدع وابتعاد، والى الوجود من حيث ينخره الزمان، والى التاريخ من حيث هو قطائع وانفصالات، والى الهوية من حيث هي اختلاف وتباين، والى الوحدة من حيث هي كثرة وتعدد.. ألا يجعل بذلك “ما يعوز le manque هو ما يمنح أسباب الوجود”، فيعمل على استعادة هذا المفهوم عن الفراغ من حيث هو ما يفعل، ما يعطي وظيفة ومعنى. فليس الفراغ غيابا وعدما. وهو أبعد ما يكون عن المفهوم الذي كرسته الفيزياء التقليدية الذي هو أقرب إلى “التصور الكيميائي ” ،كما بين رولان بارت الذي يدعونا أن نشتق مفهوم الفراغ من التصور الفيزيائي الحديث الذي يرى ” أن الجزيئات الموجودة في الكون ليست متولدة عن جزيئات أبسط منها، بل إنها تمثل ما آل إليه تبادل التأثير فيما بينها في لحظة بعين

المستقبل... صيرورات لامتناهية للرغبة \ د.إسماعيل مهنانة

صورة
  الكائن الاستهلاكي، أو الوجود النهم، هو كائن الرغبة المعلّبة الذي باتت تسكن قلقه، يلقي بنا القلق/التزمن؛ أو الوجود-نحو –الموت تحت سطوة الرغبة، وفي نمط الوجود الأمريكي الذي أضحى عولمة، تفترس الرغبة التي أضحت نمط وجودنا الزائف حياتنا، نحاول إشباعها بالاستهلاك، لكن الوجود النهم لا قرار له، وهو هاوية سحيقة تنفتح من تحت أجيال ومجتمعات بأكملها، إن هذا الوجود/الرغبة للإنسان المعاصر يجعله يستهلك ما يملك وما سيملكه مستقبلا عن طريق الإقراض البنكي، ومثال أزمة الرّهن العقّاري التي دشنت عصر الأزمة الرأسمالية؛ أسطع نموذج عن الوجود النهم، في هذا الوجود النهِم تتوحد التقنية بنمط الإنتاج الرأسمالي بالاستهلاكية لتشكل هالة عليا من اكتمال الميتافيزيقا الغربية، عنوانها: الأمركة/العولمة، أو نهاية الوجود النهِم.

فلسفة على إيقاع الروك \ روجيه عوطة

صورة
  لنفهم هيغل، من الضروري أن نتعرف على جايمس بوند. وكي نقرأ أبيقور، علينا الإستماع إلى سيلين ديون. ومن أجل إدراك مقاصد هايدغر، لا بد من مشاهدة عارضة الأزياء نبيلة بن عطية. العكس؟ صحيح أيضاً. لكن، ورغم ذلك، لا أهمية للجهة، ولا حاجة إلى سؤال "مِن أين نبدأ؟". فما أن يصغي المرء إلى أغنية "The End"، التي تؤديها فرقة "The Doors"، حتى يتذكر لاكان وكتابته عن عقدة أوديب، وما أن يسترق السمع إلى "come together"، لفرقة "Beatles"، حتى يسترجع نظرية روسو في العقد الإجتماعي... فلكل فيلسوف شبيه بين فناني الروك، ولكل فلسفة مماثل لها بين الموضوعات اليومية. ولهذا السبب، في مقدور فرنسيس ميتفييه ( تور، غرب فرنسا) أن يقف على الخشبة، يحمل غيتاره الإلكتروني، قبل أن يبدأ حفلته بالتعليق على الأغاني فلسفياً. لا يقارب فيلسوف "الروك أند روك"، أو موسيقي "فلسفة البوب"، موضوعات الراهن، بل يحتفل بها على طريقته التأويلية الخاصة. يغني، ويعزف، ويكتب، بأساليب متداخلة للغاية، حتى أنه ابتكر نوعاً جديداً من الحفلات الموسيقية، تدور بأغانيها حول الفلسفات القدي

الفلسفة فنا للعيش في إمكانية العودة والتكرار \ ادريس شرود

صورة
  يضعنا الكاتب عبد السلام بنعبد العالي في مأزق فكري ووجودي عندما يؤكد على أن الرغبة في العيش وفق مفهوم الفلسفة – الحكمة القديم أمر مستبعد وغير قابل للتطبيق(1)، بل من الصعوبة أن يجد مكانا مناسبا في حياتنا المعاصرة أو أن يوظف في سياق الحداثة الفلسفية. يوجه بنعبد العالي نقده لأولئك الذين يعرضون لمفهوم السعادة لكن سرعان ما يختزلونه، ليخوضوا في الحديث عن مفاهيم تقرب منه من غير أن تشمله كاللذة وما شابه، فيرون على سبيل المثال أن السعادة هي لذة نأمل دوامها، ومن هنا حاجتهم إلى“فن العيش” لتدبير اللذة اقترابا من السعادة(2). أعتقد أن هذا الإستيعاد والاستبعاد لموضوعة فن العيش، هو فرصة لخلق حوار مع تصورات فكرية وفلسفية تجعل من فن العيش “ترويضا للذات” و“نحتا لها”، ومع فلاسفة وباحثين حاولوا أن يعيدوا إلى الجسد مكانته في تحديد السعادة وتحقيقيها(3). حول إمكانية العودة للرهان القديم  قد يكون هذا النفور الذي نلاحظه في عالم اليوم من كل ما هو نظري وما هو قديم، علامة على ضعف في إقامة علاقة قوية مع الفكر ومع الفلسفة وروادها، ودليل عل غياب الحس التاريخي. لكن سنؤكد أولا مع الأستاذ عادل حدجامي، على أن رهان عالمن

نظرية المُثُل الأفلاطونية

صورة
  نظرية المُثُل الأفلاطونية ( أصولها - مبادئها - الانتقادات التي وُجِّهت إليها ) أولاً : الأصول  - يقول أرسطو في "مابعد الطبيعة" أن أفلاطون تأثر في هذه النظرية أول ما تأثَّر بهيرقليطس و بارميندس ، ثم بالفيثاغوريين ، ثم بسقراط. فقد كان أفلاطون مُخلِصاً للمذهب الهرقليطي القائل بالتغير الدائم للأشياء ، فلا بُدَّ أن يكون وراء التغيُّر شيء مقابل هو "الثبات" الذي لا يقبل التغيير. كما أخذ عن هرقليطس قوله بأن المعرفة الحسية معرفة باطلة ، وأن المعرفة العقلية هي المعرفة الحقيقية ، وكل معرفة عقلية تقتضي الوجود الثابت موضوعاً لها. كما تأثر ببارميندس حين رأى أن التغير المطلق لا يمكن أن يكون إلا وهماً ، وأنه لا بد من الوحدة إلى جانب الكثرة. وقد رأى أرسطو أن العقيدة الفيثاغورية القائلة بأن الأعداد والأشكال الثابتة هي علل و مبادئ الوجود ، قد ساهمت في تكوين خطوط أساسية لنظرية المثل الأفلاطونية. أما تتلمذه على يد سقراط وميله الشديد إلى العلم الرياضي ، جعلاه يبحث عن الماهيات الثابتة ، ويحتقر العالم المحسوس.  ثانياً : المبادئ - اعتبر أفلاطون أن العلم الحقيقي لا يمكن أن يتم إلا إذا افتر

الإنسانُ المُعاصِر بين التشاؤُم النظريّ والتفاؤلُ العمليُّ

صورة
  - إنَّ مشاعر القلق ، والعبثِ ، والغربةِ ، والضياع ، والفراغ واليأس : مشاعر متواكِبة قلّما يسيرُ الواحدُ منها بمفردهِ وذلك لأنَّ اليأس هو النتيجة الطّبيعية التي لابُدّ من أن تُفضي إليها حياة خاويّة قد ارتفع عنها كلُّ إيمان ضمنيّ بالقيم. وليسَ أيسر على الإنسان من أن يستسلِم لنداء العبث ، لكي لا يلبِث أن ينحدِر على طريق اليأس. وهنا يجيء فلاسفة التشاؤم ، فيعمَلونَ على إبرازِ الطّابَع الدّرامي للوجود البشريّ ، ويرسمون أمام الناس صورة قاتِمة للحياة الإنسانية ، بوصفِها حياةُ ألم ، وصراع ، ويأس. وليس في استطاعة أيّة فلسفة - بلا ريب - أن تتجاهل مافي الوجود البشري من طابَع دراميّ أليم. - ولكن مهما كان من أمر تلك الفلسفات التشاؤمية التي تُشدِّد على نغمة اليأس ، فإن كل حياة إنسانية سويّة لابُدّ من أن تجد لنفسها - في صميم نشاطها العملي - حلّاً واقعياً لمشكلة الشَّر الخاصّة بها. ولعلّ هذا ما عناهُ "ألبرت شفيتسر" حين قال : " إنني إذا كنتُ متشائِماً نظرياً ، فإنني متفائلٌ عملياً " - هل برأيكم أصدقائي أنّ الإنسان قادِر على أن يجمعَ بين التشاؤم النظريّ والتفاؤل العمليّ ؟ أي أن يجمع

وهم الإرادة \ محمد البوعيادي

صورة
نحن في المجمل لسنا أحرارا، لم يكن لعلم الأعصاب وتشريح الدماغ تأثير في عالم الفكر أفضل من هذه الخلاصة، كل إرادة واهمة بالحرية يمكن استباقها وتوقعها عبر المسح الضوئي للمخ (سام هاريس). يمكن توقع اختيار الإنسان بين شيئين أو أكثر بمئات الأجزاء من الثانية، لأن كل شيء يفعله يخضع لحتمية لاواعية تحصل بشكل صدفوي في الدماغ، وسلوك مكونات الدماغ نفسه غير قابل لإسقاط السببية: "فتح وغلق القنوات الأيونية" و "تحرر الحويصلات المتشابكة" في المخ يحصل بشكل ذاتي بدون أي تأثير للبيئة والمحيط، لا يمكننا اختيار مؤثر واعتبار اختيارنا إرادة حرة ستؤدي إلى استجابة ما بالضبط. كمية الرعب التي في هذه الواقعة العلمية يمكن تلمسها في تحليل القانون إزاء عملية القتل: هل نعتبر المجرم الذي تربى في وسط عنيف وتعرض للاغتصاب والعنف وشاهد ذبح الحيوانات في طفولته مسؤولا عن فعله أم أن طريقة تشكيل دماغه تلعب دورا في أفعاله؟ هل قام بشكل واع وبحرية إرادة بفعله؟ ...أفكارنا ذاتية النشأة وهي التي تملي علينا أفعالنا، وذاتية النشأة معناه أنها تحدث بشكل عشوائي، وما يعزز هذا الطرح هو أننا ببساطة لا نعلم مسبقا طبيعة الفكر

المجتمع الصناعي ومستقبله \ تيودور كازينسكي

صورة
  يوفر الترفيه للإنسان الحديث هروبا لا غنى عنه؛ عندما يتم امتصاص انتباهه من قبل التلفزيون، وأشرطة الفيديو، وما إلى ذلك، فإنه يمكن أن ينسى الإجهاد، والقلق، والإحباط، وعدم الرضا. عندما لم يكن مشغولا بعمله. كان الانسان التقليدي يجلس بهدوء لساعات من دون أن يفعل شيئا، لأنه كان في سلام مع نفسه ومع عالمه. ولكن معظم الناس في العالم الحديث تحتاج لتكون مشغولة أو أن ترفه عن نفسها باستمرار ،من دون ذلك سوف يشعرون "بالملل"، ومن ذلك فانهم سوف يصبحون مهيجين ، قلقين، ومعكري المزاج. إذا اكتشفنا علاجا بيولوجيا يخفض بشكل كبير، ودون آثار جانبية ، التوتر النفسي الذي يعاني منه الكثير من الناس في مجتمعنا، وإذا اتبع عدد كبير من الناس هذا العلاج، فإن المستوى العام للإجهاد سيقل، ويمكن للنظام بعد ذلك زيادة الضغوط التي تنتج الإجهاد. في الواقع، يوجد شيء مماثل مسبقا و هو صناعة الترفيه، والتي هي واحدة من أقوى الأدوات النفسية التي يمكن للناس استخدامها لإخلاء نفسهم من الإجهاد و التوتر، أو على الأقل الهرب منهم مؤقتا . استخدام هذه الأدوات "اختياري": لا يوجد أي قانون يفرض علينا مشاهدة التلفزيون، والاست

الحبّ والحضارة \ هربرت ماركوز

صورة
  حوَل الجسد والفكر تحت سلطان مبدإ المردوديّة إلى أدوات للعمل المغترب… ويلعب توزيع الوقت دورا أساسيا في هذا التّحول، فالإنسان لا يوجد على جهة وجود أداة المردوديّة المغتربة إلا خلال جزء من وقته أي خلال أيّام العمل، أمّا فيما تبقى من الوقت فإنّه يكون حرّا، يتصرّف في نفسه… إنّ هذا الوقت الحرّ قد يكون بالقوّة مخصّصا للذّة. غير أنّ مبدأ اللّذة الّذي يحكم «الهو» إنّما هو أيضا «لامتزمّن» ومعنى ذلك أنّه يصارع ضدّ التفتت الزمني للّذّة وضدّ تجزئتها إلى أقساط متباعدة. وأن مجتمعا يحكمه مبدأ المردوديّة عليه بالضّرورة أن يفرض مثل هذا التّوزيع لأنّ الجسد يجب أن يكون قد تعود على الاغتراب في مستوى أعماقه ذاتها أي في مستوى «أنا اللّذّة»،فعلى (الجسد) أن يتعلّم نسيان المطالبة بالاشباع اللاّمتزمّن واللاّمجدي أي نسيان المطالبة باللّذة الأبديّة. أضف إلى أنّ الاغتراب وشدّة التّأطير يتجاوزان وقت العمل إلى الوقت الحرّ. إنّ طول يوم العمل ذاته وكذلك الرتابة المملة والآلية، رتابة العمل المغترب الّتي تباشر تلك المراقبة على أوقات اللّهو. إنّ ذلك الطول وتلك الرتابة يفرضان أن تكون أوقات اللّهو راحة سلبية وتجديدا للطاق

اليَائِـسُ العَظيـمُ \ صلاح بو سريف

صورة
  آهٍ ! لَوْ وُلِدْنَا قَبْلَ الإنْسَانِ  [1] إميل سيوران، من الكُتَّاب الذين أعُودُ لقراءتِهم باستمرار. منذ مُوَاجَهَتِي الأولى لبعض أعماله، وَجَدْتُ نفسي أكثر اقتراباً من هذا اليائس العظيم. ربما كان هذا الانْجِذاب نحو سيوران، يعود إلى قراءتي المُتوالية لأعمال نيتشه. لا أحدَ يستطيعُ قراءة سيوران، دون أن يسترجع أعمال نيتشه، وبعض آرائه، فيما سيذهبُ إليه سيوران نفسه، في مفهوماته لتي ارتبطت بطريقة النظر في الأشياء. لعلَّ في بعض اليأس، وفي الميل إلى العُزلة والتَّوَحُّدِ، التي تأخُذُني، ما جعل قراءتي لسيوران لا تنقطع. قد أُؤَجِّلُ هذه القراءة لبعض الوقت، أو أنْشَغِلُ عن صديقي هذا، بأمور أخرى، لكن حالما أجد نفسي في حاجة إلى اسْتِشَارَتِهِ، أو إلى مُؤَانَسَةِ عُزْلاتِهِ، والتَّوَحُّدِ في غَيْبوبَاتِهِ التي تأتي من مصدرين أساسيين في المعرفة، وفي إنعاش الروح، وتوكيد رهافتها؛ الموسيقى والشِّعر، أعودُ إليه، مُنْصِتاً إلى كَرَمِهِ في المعرفة، والكتابة. [2] لم يكن سيوران مأخُوذاً بجغرافية مُحَدَّدّة، فهو كان مُواطناً عالمياً. كان يقيس "وجوده"، أو هذا "العدم" الذي فيه كان يَتَبَ

أسطورة سيزيف \ ألبير كامو

صورة
 قد تتقوّض معالم الحياة، فأن نستيقظ وأن نركب القطار وأن نقضي أربع ساعات في المكتب أو في المصنع أو في الجامعة وأن نتغدّى، ثمّ أن نركب القطار مجددا وأن نقضي أربع ساعات من العمل أو الدراسة ، وأن نتعشّى وأن ننام ، ثم يوم الإثنين فالثلاثاء فالأربعاء فالخميس فالجمعة، وأخيرا السبت ، كلها على الوتيرة ذاتها، وتستمر هذه الطريق بيُسر في غالب الأحيان ، وذات يوم يطالعنا سؤال " لماذا " ؟

دراسات في الفلسفة الوجودية \ عبد الرحمن بدوي

صورة
  لكن هناك عاطفة أهم من الضجر فيها يتجلى العدم أبرز ما يتجلى. وهي القلق. والقلق ليس هو الخوف، لأن الخوف هو دائماً خوف من شيء معين، أما القلق فيتعلق بالأشياء كلها في مجموعها. وليس القلق هو الذي يوجد العدم، إن صح هذا التعبير، بل هو فقط الذي ينبه الإنسان إلى وجوده. ولهذا لابد للإنسان أن يعيش في القلق ليتنبه إلى حقيقة الوجود. ذلك أن الإنسان بطبعه يميل إلى الفرار من وجه العدم الماثل في صميم الوجود وذلك بالسقوط بين الناس وفي الحياة اليومية الزائفة، ولكي يعود إلى ذاته لابد من قلق كبير يوقظه من سباته. والقلق على نوعين: قلق من شيء، وقلق على شيء. والموجود في العالم يقلق على إمكانياته التي لن يستطيع مهما فعل أن يحقق منها غير جزء ضئيل جداً: أولاً لأن التحقيق يقتضي الإختيار لوجوه والنبذ لسائر الوجوه. وثانياً: لأن ثمة حقيقة كبرى تقف دون استمرار التحقيق ألا وهي: الموت.

لعبة الممكنات بحث في تباين الحي \ فرانسوا جاكوب

صورة
التّنوع هو واحدة من أكبر قواعد اللّعبة البيولوجيّة. على مرّ الأجيال تجتمع وتنفصل هذه الجينات الّتي تشكّل تراث النّوع لتنتج تلك التاليفات الّتي تكون في كلّ مرة، عابرة ومختلفة ألا وهم الأفراد. ولا يمكن أن نبالغ في تقدير هذا التّنوع، وهذا التّأليف إلى ما لا نهاية، الّذي يجعل من كلّ واحد منّا حالة فريدة، فهو الّذي يتسبّب في ثراء النّوع ويمنحه إمكانياته. يتعزّز التّنوع الطبيعي أكثر، لدى الكائنات البشريّة، بفضل التّنوع الثقافيّ الّذي يسمح للإنسانيّة بالتّكيف بصورة أفضل، من ظروف عيش متنوّعة، وباستعمال موارد هذا العالم على نحو أحسن. غير أنّه في هذا المجال، يتهدّدنا خطر الرتابة والتّشابه والضّجر. ففي كلّ يوم يتضاءل هذا التّنوع الهائل الّذي أدخله النّاس في معتقداتهم وأعرافهم ومؤسّساتهم.   ترجمة: أحمد صالح

بينك فلويد.. ما هدف وجودنا في هذه الحياة؟ مها فجال

صورة
  "طويلا تعيش وعاليا تطير كل بسماتك وكل دموعك كل ما تمس وكل ما ترى هو كل ما ستكونه حياتك" (من أغنية "تنفس") في وحدته الباردة عند آخر فصول الرواية، أخذ راسكيلنكوف بطل "الجريمة والعقاب" يتساءل: ما الذي يعيش من أجله؟ ماذا يبقيه على قيد الحياة؟ ما الذي يجعله يختار أن يستيقظ في الصباح ويمضي عبر ساعات اليوم البائسة عوضا عن التخلص من كل هذا الألم والانتحار؟ باختصار، لماذا يعيش؟ أيعيش فقط كاستمرار لوجوده؟ (1) قد تستغرب تساؤل راسكلينكوف الأخير، لكن عليك أن تأخذ في الاعتبار أن كلمتي الوجود والعيش ليستا بالمترادفتين. فكل ما تقع عليه عيناك هو بالضرورة موجود، وكل ما يشغل حيزا في المكان ويقع داخل الزمان موجود، وكل ما ليس عدما موجود. أنت، كونك على قيد الحياة ورئتاك تتنفسان وقلبك يعمل بشكل سليم موجود. لكن، هل أنت عائش؟ بمعنى آخر: هل يوجد معنى ما وراء حياتك؟ شغل هذا السؤال فلاسفة القرن العشرين وكان الأساس الذي قامت عليه فلسفات بعينها كالوجودية. في كتابه "أسطورة سيزيف"، يعقد الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو المقارنة بين إنسان العصر الحديث وحياته المكونة من: "النهو

عزاء الفلسفة \ بوئثيوس

صورة
  ما الذي رَمَى بك، أيهذا الإنسان الفاني، في مستنقع الحزن والقنوط؟ لعلك قد أخذت على غرة، ولكنك تخطئ إن ظننت أن الحظَّ قد أدار لك ظهره، فالتغير هو طبيعة الحظ ودَأبُه ودَيدَنُه، وهو في تقلُّبه نفسه إزاءك إنما كان حافظًا لعهده وثابتًا على مبدئه! وهو ذات العهد وعين المبدأ الذي كان به من قبل يتملَّقُك ويغويك بسعادةٍ زائفة. لقد تبَيَّنْت الوجه المتقلِّب الأعمى، إنه ما زال يُخفِي شَخْصَه عن سواك بينما تَكشَّف لك أنتَ بتمامه، فإذا كنت مقتنعًا بطرائقه فإنَّ عليك أن تَقْبَلَها ولا تشكو، وإذا راعَتْك خيانته فاهجره وأَقلع عن ألعابه الخطرة، فإن ما يسبب الآن لك الأسى والحزن كان  يجلب لك السلام، فلقد تخلَّى عنك من لا يأمن له أحدٌ ولا يثق ببقائه إلى جانبه على الدوام، أم هل تُقدِّر ذلك الصنفَ من السعادة المحتومة الزوال؟ هل يعزُّ عليك حظٌ تعلم أن بقاءه موضع شكٍّ وأن زواله يورث الحزن؟ فإذا كان المرء لا يملك التحكم في الحظ وَفْقَ إرادته، وإذا كان زواله يترك وراءه البؤس، فماذا عساه أن يكون هذا الشيء الروَّاغ سوى نذيرٍ بشؤمٍ قادم؟ إن العاقل لا يقنع بالنظر إلى ما هو أمام عينيه، فالحصافة تُقدِّر عواقب الأشياء

موسم الهجرة إلى الشمال \ الطيّب صالح

صورة
  سأحيا لأن ثمّة أناسا قليلين أحبّ ان أبقى معهم أطول وقت ممكن، ولأن علي واجبات يجب أن أؤدّيها، لا يعنيني إن كان للحياة معنى أو لم يكن لها معنى وإن كنت لا أستطيع أن أغفر فسأحاول أن أنسى ... إنني أريد أن آخذ حقّي من الحياة عنوة، أريد أن أعطي بسخاء، أريد أن يفيض الحبّ من قلبي فينبع ويثمر. ثمّة آفاق كثيرة لا بدّ أن تزار، ثمّة ثمار يجب أن تقطف، كتب كثيرة تقرأ، وصفحات بيضاء في سجلّ العمر، سأكتب فيها جملا واضحة بخطّ جريء.

العالم إرادةً وتمثلًا \ آرثر شوبنهاور

صورة
  لا يوجد إلا خطأ فطري واحد، وهو الفكرة القائلة: إننا نوجد لنكون سعداء؛ فما نحن إلا إرادة للحياة، ونحن لا نفهم من السعادة إلا أنها الإرضاء المتعاقب لإرادتنا. وطالما ظللنا واقعين في هذا الخطأ الفطري، الذي يزداد رسوخًا فينا بفضل المعتقدات التفاؤلية، فإن العالم يبدو لنا حافلًا بالمتناقضات؛ ذلك لأننا نشعر حتمًا في كل خطوة. وفي كل الأشياء كبيرها وصغيرها، بأن العالم والحياة لن ينظما أبدًا بقصد ضمان حياة سعيدة لنا … وفضلًا عن ذلك، فإن كل يوم مر في حياتنا حتى الآن قد علمنا أنه حتى في الحالات التي تتحقق فيها أفراح ولذات، تكون هذه في ذاتها خداعة، ولا تؤدي إلى النتائج التي تعدنا بها، ولا ترضي قلوبنا، فضلًا عن أن الحصول عليها يقترن على الأقل بالمرارة التي يبعثها ما يرتبط بها أو ما ينبثق عنها من الآلام والمنغصات. أما الآلام والأحزان فتثبت أنها حقيقية إلى أبعد حد، وكثيرًا ما تتجاوز كل ما نتوقعه. وهكذا فإن كل ما في الحياة قد رُسِمَ بحيث يؤدي بنا إلى الرجوع عن هذا الخطأ الفطري، وإلى إقناعنا بأن القصد من وجودنا هو ألا نكون سعداء. أما من تخلص بطريقة ما من الخطأ الأولي الكامن فينا ومن ذل التزييف الأول في

مصطلحات سارترية في كتاب "الوجود والعدم"

صورة
( الوجود في ذاته ) : هو الوجود غير الواعي ، وهو وجود الأشياء ، ووجود العالم ، ووجود الظاهرة ، ويتصف بأنه ملاء.  ( الوجود لذاته ) : هو الشعور أو الوعي ، منظوراً إليه في ذاته ، وكأنه في حالة وحدة وانعزال ، وهو انعدام للوجود في ذاته ، وشعور بنقص الوجود ، والشوق إلى الوجود. وهو الإنسان بما هو إنسان ، أي من حيث أنه يتجاوز وجود الأشياء والوجود المادي بشكل عام ، وهو الذات ، أو الذاتية.  ( الوجود للغير ) : وهو الشعور ولكن منظوراً إليه من حيث علاقته بالشعورات الأخرى ، أي من وجهة النظر الاجتماعية والوجود مع الآخرين. وكل وجود للغير يتضمن صراعاً مستمراً مع الوجود للذات ، فإن كل وجود للذات يسعى لاسترداد وجوده الخاص بجعل الغير موضوعاً بالنسبة إلى الأنا أو الذات.  ( سوء النية ) : هو الكذب على الذات داخل وحدة الشعور المفرد. فبواسطة سوء النية يحاول الشخص أن يفلت أو يتهرب من الحرية ذات المسؤولية التي للوجود لذاته. ويقوم على التردد بين العلو والوقائعية تردداً يرفض التأليف بينهما.  ( العلو ) : العملية التي بها ما هو لذاته يمضي إلى أبعد مما هو معطى ، في مشروع يصممه لنفسه. وأحياناً يسمى ( ماهو لذاته ) علواً

مُذكِّراتُ قبُوٍ\ دوستويفسكي

صورة
  إنَّنا اليومُ لا نَعرِف حتَّى أين هي الحياة، وما هي، وما صفتها. فيكفي أن نُترَك وشأنُّنا، يكفي أن تُسحَبَ الكُتب من بين أيدينا، حتَّى نرتبِكُ فورًا، وحتَّى تُختلَطُ علينا جميع الأمور، ثُمَّ أنَّنا حتَّى لا ندري أين نَسيرُ، وكيف نَتَجِه، وماذا يجب أن نُحِبُّ وأن نكره. وماذا يجب أن نَحترِم أو نحتَقِر. حتَّى أنَّه ليشقُّ علينا أن نكون بشرًا، بشرًا يملكون أجسادًا هي لهم حقًّا، أجسادًا تجري فيها دماء. إنَّنا نخجل أن نكون كذلك، ونعدُّ هذا عارًا، ونحلمُ في أن نصبح نوعًا من كائنات مُجردة، عامَّةً، نحن مخلوقات «وِلدت ميتة»، ثُمَّ أنَّنا قد أصبحنا منذُ زمنٍ طويل لا نُولد من آباء أحياء، وهذا يُرضينا ويِعجبنا كثيرًا. إنَّه يُلقى في نفوسنا هوًى. وقريبًا سنجد السبيل إلى أن نولد رأسًا من فكرةٍ. 

أَزمة العالم الحديث \ رينيه غينون

صورة
  بلا شكٍّ، فإنَّ الجمهور كان دائمًا مَقُودًا بشكل أو بآخر، ويمكننا القول أنَّ دورهُ التَّاريخيُّ يقوم خاصَّة على الاستسلام لمن يقوده، لأَنَّهُ لا يُمثِّل سوىٰ عنصر سلبيّ، أي ”مادة“ بالمعنى الأرسطي؛ لٰكِن اليوم، يكفي، لقيادته، اِمتلاكُ وسائِل ماديَّةٍ خالصةٍ، هٰذه المرَّة بالمعنى المألوف للكلمة، ما يُبيِّن جيّدًا درجة الانحطاط الَّتي وصل إليها عصرنا؛ وفي الوقت نفسهِ، يتمّ إيهام الجمهور بأنَّه مَقُودٍ، وأن يتصرّف عفويًّا وأنَّهُ يقود نفسه بنفسه، وكونهُ يعتقد بذٰلك يسمح لنا أن نتنبَّأَ إلى أيّ حدّ يمكن أن تصل حماقتهُ.