المشاركات

زديج ( القدر ) \ فولتير

صورة
  تجري أحداث هذه القصة في بيئة شرقية خالصة، ويكاد فولتير يمزج فيها بين الحكمة المشرقية وأفكاره التنويرية. وتعالِج بشكل خاص مسألة القضاء والقدر التي جرى ويجري حولها جملة من النقاشات، لاسيَّما في ذات البيئة التي تُغلِّف إطار هذه القصة، وأقصد البيئة المشرقية. قالت بعض الفرق بأن الإنسان مُسيَّر، وبعضها قال بأنه مُخيَّر، وبعضها الآخر قال بأنه الاثنين معاً. يُلَّخص لنا فولتير هذه القضية ويميل إلى القول بأن الإنسان ليس لديه أمام قضاء الله وقدره إلا القبول والتسليم، وإرادة الإنسان وفقاً لذلك ينبغي أن تُوَجَّه نحو الخير فتأخذ به، وتجتنب الشر وتنبذه. وملَّخص القصة أن شاباً يدعى "زديج" لم يكن حظه مع النساء جيداً، فانصرف للتفكُّر بالطبيعة، فكان له نصيباً من الحكمة والفراسة وسعة الكشف، الأمر الذي جلب له متاعباً جمَّة، وسلَّط عليه حقد الحاقدين، وكيد الخائنين، ما اضطَّره إلى أن يكون كثير الترحال اتقاءً لشر المتربصين به. وتشاء الأقدار أن يأتي جزاء عمله متعاكساً مع جنسه، بالرغم من أنه كان ذو نية طيبة، ومسعى نبيل. كانت همومه تتمحور حول التأليف بين البشر، ومساعدتهم، باعثاً برسالة تسامح عظيمة تظ

فلسفةُ موت الإنسان \ ميشيل فوكو

صورة
  لقد تكوَّن الإنسان متضايفاً مع تاريخيات العمل والحياة واللغة، وهو لا يكتشف ذاته إلا بالرجوع إلى تلك التاريخيات القائمة أساساً سلفاً، وحيث لا يجد نفسه معاصراً لهذا الأصل الذي يتوارى وراء زمن الأشياء إلى درجة لا يستطيع الإنسان أن يتمثَّل ما يُشكِّل أصلاً بالنسبة له إلا على خلفية من أمور بدأت قبله. ألم يحن الوقت لطي صفحة الأصلي الغائرة والمسكونة بشتى ضروب الوساطات المعقدة التي كونتها ترسُّبات التاريخيات : العمل ، الحياة ، اللغة ، عبر تاريخها الخاص ؟ إن هذه الحيرة يجب ألا تصرف جهود الإنسان الحثيثة عن مهمته بقصد البحث عن الأصل في تلك الثنية، حيث يصنع الإنسان بكل سذاجة عالماً مُصنَّعاً منذ آلاف السنين. ليس بوسع أحد أن يحدِّد للإنسان أصلاً، ومن هنا نكون أمام وجهين للاستحالة : فهي تعني أولاً تقهقُر أصل بشكل مستمر، بسبب كونه يرجع إلى زمن موغِل في القدم لا وجود للإنسان فيه، ولكنها تعني أيضاً هذا الكائن الذي "لا وطن ولا تاريخ"، والمتعذَّر تسجيل لحظة ولادته الأولى بسبب عدم حصولها، غير أن الإنسان المُنفصِل عن أصله يظهر "معاصِراً لوجوده" ويبقى "سابق الحضور" إلى حدٍّ أ

كيف أصبح العالم \ إدغار موران

صورة
  لقد أصبح العالم حسب "إدغار موران" يعجّ بالأزمات في ظل التقدم، فعصر التقنية هذا رغم أنه يحرز تقدم غير مسبوق، إلا أن ذلك لا يعني أبدا أنه سليم معافى من أعراض الأزمة التي أصبحت حدث ملازم ومحايث لكل عملية تقدم؛ لأنه وكما يقول "أنطونيو نيغري" «إن الأزمة ليست نقيض التقدم، وإنما هي صورته ذاته» من هذا المنطلق يمكن أن نقول بأن التقدم يقتات عن الأزمة التي بدورها تتغذى منه. فالمسار التطوري للتاريخ حافل باللايقينيات؛ لأنه مركب. فبالقدر الذي يحرز فيه التاريخ تقدما، يكون على موعد مع انعراج و انحراف جديد، أي مع أزمات، فمفهوم الأزمة حسب "إدغار موران" لم يعد يأتي في مقابل مفهوم  التقدم، أو أن وجود الأول يلغي إمكانية وجود الثاني، وإنما أصبحنا أمام علاقة تركيبية تقبل بهما معا، لذلك «ينبغي ربط فكرة أن الأزمة قد أصبحت هي نمط وجود مجتمعاتنا، وفكرة كون التقدم يحمل في نفسه خاصية أزماتية: ففي ثنايا تصوره المغير أو المتسارع ينطوي تقدم الأمم على عمليات فك البنيات/وفساد اقتصادي، واجتماعي، وثقافي: فالتقدم لا يحدث فوق أساس ثقلفي وحضاري ومجتمعي: إن التقدم غير منفصل عن عملية تحطيم أو ت

تجديدُ الفلسفةِ عند جيل دولوز

صورة
  - يبيِّن "دولوز" أن ما يُشاع عن أزمة الفلسفة ونهايتها و موتها ؛ عائد إلى أنّه قد أُسيء فهمها. لكن عندما نعي أن الفلسفة هي فنّ إبداع الأفاهيم ، نجد أنها ليست مأزومة ، بل راهنة و ثوريّة ، وتتمتع بخصوصية واستقلال عن العلوم والفنون. - ويبيّن أيضاً أن تجديد الفلسفة يعني تجديداً في المضمون و الأسلوب معاً. ويعني التجديد في المضمون : ١ - تجديداً في صورة الفكر ، لأن كل فلسفة كبيرة تفترض صورة سرّية وضمنيّة للفكر ، أي تحاول الإجابة عن سؤال : ما التفكير ؟ ٢ - تجديداً في الأفاهيم القديمة و السّائدة ، لأن الأفاهيم المتداوَلة لا يمكن استخدامها في القول الفلسفي المعاصر من دون تعديل وتغيير وتحوير. لذا يقوم تاريخ الفلسفة على إحياء الأفاهيم القديمة وتغيير اتجاهاتها. ٣ - إبداعاً لأفاهيم جديدة ، وهذا هو عمل الفلسفة تحديداً ، ويدل الأفهوم على توليد فعل التفكير في الفكر بما هو كذلك ، لأن الفكر ليس فطرياً ولا اكتسابياً ، بل هو توالُّدي أو تناسليّ. - ويعني التجديد في الأسلوب : إبداع لغة غريبة داخل اللغة ذاتها ، غريبة من حيث المفردات ، ومن حيث التركيب اللغوي أيضاً. - يصرّ "دولوز" على استقل

معنى الحياة

صورة
  كتب فرويد في إحدى رسائله إلى ماري بونابارت بعثها إليها: نكون مرضى بمجرد ما نبدأ في السؤال عن معنى الحياة وقيمتها، ذلك لأن الاثنين (المعنى والقيمة) لا وجود لهما من الناحية الموضوعية. ما نكون بصدده في هذه الحالة هو أننا ببساطة نبوح بأن لنا مخزونا غير مشبع من الطاقة الرغبية، مخزونا يحصل أن يضاف إليه شيء يشبه الاختمار فيفضي بنا إلى الحزن والكآبة. أخشى أن يكون تفسيري هذا غير مناسب؛ لكوني ربما صرت ممعنا في التشاؤم. أتذكر بالمناسبة أكثر الوصلات الإشهارية الأمريكية وقاحة وشعبية. إنها تقول: 'لماذا يتعين عليك أن تعيش إذا كانت مراسم دفنك لا تزيد عن عشرة دولارات؟ !'

قصة عادية \ ايفان غونتشاروف

صورة
  كان يخشى المدّ الدوري المتناوب للسعادة والشقاء. المسرات لم يكن يتوقعها، أما المصيبة فآتية حتماً ولا مفر منها: فكل شيء خاضع للقانون للعام. كان يبدو له أن نصيباً متساوياً من السعادة والشقاء ينتظر الناس جميعاً. السعادة انتهت بالنسبة له وأيّ سعادة؟ وهمٌ باطل و خداع. المصيبة فقط، واقعية و حقيقية، وهي آتية لا محالة. هناك الأمراض والشيخوخة والخسائر المتنوعة، وربما الفاقة أيضاً ... لطمات القدر هذه كلها، تتربص به. والمتع والمسرات؟ لقد خدعته الأهداف السامية، وأنهكته الأعباء المضنية، التي يسمونها واجباً! بقيت المنافع التافهة - النقود، الراحة، الرتب والمناصب ... أنا في غنى عنهم! آه، إنه لأمرٌ محزنٌ حقاً أن يتبين الحياة و يتعمق في سبرها دون أن يفهم الغاية منها!.

رسالة منطقية فلسفية \ لودفيج فتجنشتين

صورة
  إن موضوع الفلسفة هو التوضيح المنطقي للأفكار. فالفلسفة ليست نظرية من النظريات، بل هي فاعلية. ولذا يتكون العمل الفلسفي أساساً من توضيحات. ولا تكون نتيجة الفلسفة عدداً من القضايا الفلسفية، إنما هي توضيح للقضايا. فالفلسفة يجب أن تعمل على توضيح وتحديد الأفكار بكل دقة، وإلا ظلّت تلك الأفكار مُعتِمَة ومُبهَمة. والفلسفة مجالها هو الجانب الذي ما يزال موضع نزاع في العلم الطبيعي. فالفلسفة يجب أن تحدِّد مايمكن التفكير فيه، وبالتالي ما لا يمكن التفكير فيه. إنها تحدِّد ما لا يمكن التفكير فيه، وذلك من خلال ما يمكن التفكير فيه. إنها تشير إلى ما لا يمكن التحدث عنه، بكونها تُبيّن بياناً واضحاً عما يمكن التحدُّث عنه. وكل ما يمكن التفكير فيه على الإطلاق يمكن التفكير فيه بوضوح، وكل ما يمكن أن يقال، يمكن قولهُ بوضوح.

نظرية السيد والعبد عند هيغل

صورة
  الصراع للاعتراف والهوية الاجتماعية عملية التشكيل التاريخية ليست مسألة محض نظرية عند هيغل أي مسألة لا تحدث إلا في رؤوسنا. فنظرية هيغل عن السيد و العبد تُظهِر كيف كان يتصور مادياً تلك العملية التاريخية الخاصة بتطور الذات، أي : عندما يقف إنسانان وجهاً لوجه ينشأ بينهما توتر، لأن كل واحد منهما يريد أن يعترف به الآخر بأنه سيد الوضع، أي هو الذي يعرف الآخر. وقد شرح هيغل العملية التاريخية بالنموذج الآتي : في ذلك الصراع للاعتراف يخضع واحد للآخر، وتكون النتيجة التي نحصل عليها هي أن واحداً وهو الذي يكون الأعلى، يصير السيد، والذي يكون الأدنى يصير العبد، ويُجبر السيد العبد ليعمل له. وهكذا ينشأ تطور مشترك يعمل فيه الإنسان ( العبد ) على حراثة الطبيعة، والطبيعة المحروثة بدورها تُغيّر الإنسان. وعندما يحرث العبد الحقلَ ينتج فائض مادي يؤمن القاعدة لطرق عمل وأدوات أفضل مما يؤدي من جديد لأفضل حراثة للطبيعة، وهكذا دواليك.  تفاعل السيد - العبد هو علاقة ديالكتيكية، بمعنى وجود علاقة ديناميكية مشتركة ومتبادلة بين الذاتين. فليس السيد سيداً إلا لأن العبد ( وكذلك السيد ) يقبل السيد كما هو، والعبد عبداً لأن السيد

من أكثر المغالطات المنطقية انتشارا \ ريتشارد دوكنز

صورة
  من أكثر المغالطات المنطقية انتشارا - أو لنقل الإنحيازات النفسية - هي أننا نميل دوما لتفسير الأمور بما نعرفه، أو نظن أننا نعرفه..  كمثال بسيط: لو قيل لنا أن فلانا سيزورنا غدا، ثم جاء الغد ونحن جالسون سمعنا صوت جرس الباب يدق، فسنفترض فورا - وربما بلا تفكير - أنه فلان واقف بالخارج؛ ليس لأننا رأينا أو سمعنا، ولا لأن هناك "دليل منطقي" يثبت أنه بالتحديد فلان وليس علان، ولكن ببساطة لأن هذا ما صرنا نتوقعه مسبقا..  حتى هنا لا مشكلة كبيرة، فغالبا توقعنا سيكون في محله؛ وحتى لو كنا مخطئين ولم يكن فلان هو القادم، فسنكتشف ذلك بسرعة ما أن نفتح الباب، وانتهينا..  ولكن تخيل لو أن ما قيل لنا هو : سيزوركم غدا تنين مجنح؛ ثم بوقتها سمعنا الباب يدق - ماذا نتوقع وقتها؟  هنا سننقسم إلى فريقين: الأول سيتشكك في منطقية الإدعاء العجيب، ويفترض أن الطارق حتما إنسان عادي.. والثاني ربما يصدق الإدعاء الخارق، بل وربما يعتبر أن سماع الطرق نفسه دليل على صحة ذلك الإدعاء..  وربما الثاني سيبادر الأول متحديا: طالما لا تعرف من الطارق، فعليك أن تستسلم وتعترف أنه قطعا تنين كما قيل لنا- وكأنه ليس ثمة احتمالات أخرى مم

الوجودية مذهب إنساني \ جون بول سارتر

صورة
  الإنسان ليس قبل كل شيء، إلا مشروعا يعيش بذاته و لذاته. و هذا المشروع سابق في وجوده لكل ما عداه… فالإنسان هو ما شرع في أن يكون، لا ما أراد أن يكون. لان المعنى العادي للإرادة هو كل ما كان قرارا واعيا،و هو بذلك لاحق بوجوده لقرار سبقه. فانا أستطيع أن أريد الانتساب لأحد الأحزاب، أو أريد تأليف كتاب أو أريد الزواج، و كل ذلك ليس إلا مظهرا من مظاهر اختيار أصلي أكثر بساطة و أكثر طبيعية مما نسميه إرادة. فإذا كان الوجود يسبق حقيقة الجوهر فالإنسان إذن مسؤول عما هو كائن. فأول ما تسعى إليه الوجودية هي أن تضع الإنسان بوجه حقيقته، و أن تحمله بالتالي المسؤولية الكاملة لوجوده. و عندما نقول إن الإنسان مسؤول عن نفسه لا نعني أن الإنسان مسؤول عن وجوده الفردي فحسب بل هو بالحقيقة مسؤول عن جميع الناس و كل البشر. إن لكلمة “ذاتية” معنيين  إن أعداءنا يسيئون استعمال هاتين المعنيين عن قصد، إن كلمة “ذاتية” تعني من جهة أولى : انتقاء الفرد بنفسه و من جهة أخرى تعني : استحالة تامة تواجه الإنسان إذا أراد أن يتعدى ذاتيته. و إن المعنى الأخير هو المعنى العميق الذي تعتمده الوجودية… عندما نقول إن الإنسان يختار نفسه نعني بالت

الألم \ تشيخوف

صورة
  رائعة تشيخوف عن الألم: تتحدث عن فلاح عجوز ـ إنسان ـ حمل زوجته المريضة في المقعد الخلفي من العربة التي يجرها حصان هزيل، حملها إلى المدينة البعيدة لعلاجها. وفي الطريق الطويل، بدأ الرجل يتحدث، يفضفض، كأنما يناجي نفسه، ولكنه في الوقت نفسه يواسي زوجته المريضة، التي عاشت معه طوال أربعين عاما في شقاء وبؤس ومعاناة تكد وتكدح، تساعده في الحقل، وتتحمل وحدها أعباء البيت الآن.. أحس أنه كان قاسيا معها طوال السنوات الماضية، وأن عليه، الآن، أن يعاملها بلطف ولين، وأن يُسمعها الكلمات الطيبة، وقال لها إنه ظلمها، وأن الحياة أيضا ظلمتها، لأنه لم يجد الوقت، في حياته اليومية، ليقول لها كلمة طيبة حلوة وعذبة، أو يقدم لها ابتسامة صافية رقيقة كالماء أو يعطيها لحظة حنان! وظل الرجل يتحدث بحزن وأسى، طوال الطريق، والكلمات تحفر لها في النفس البشرية.. مجرى، كما يحفر الماء المتساقط على الصخر.. خطوطا غائرة. ليعوضها ـ بالكلمات ـ عما فقدته خلال الأربعين عاما الماضية، من الحب والحنان ودفء الحياة الزوجية وأخذ يقدم لها الوعود بأنه سوف يحقق لها كل ما تريده وتتمناه في بقية عمرها عندما وصل المدينة، نزل من المقعد الأمامي ليحمل

من دروس الفلسفة الوجودية

صورة
  كان "جان فال" الفيلسوف الفرنسي المعاصر خارجاً من قهوة ( فلور ) في باريس حينما التقى به بعض الطلبة وسألوه : بالتأكيد أنت الاستاذ الوجودي ؟  فأجاب على التو : لا. واتجه في طريقه غير مبالّ بهؤلاء الشبان ومعاكساتهم المستمرة لجماعة المفكرين الأحرار. ولكنه لم يأخذ مكانه المريح إلى جوار المدفأة في بيته، حتى استعاد في ذاكرته ما مر به أثناء مقابلته لهؤلاء الشبان، وراح يتساءل عن السبب المباشر الذي دعاه لأن يجيب بالنفي حينما سئل هل أنت وجودي أم لا ؟ إذ الواقع والمعروف أن (جال فال ) من المنتمين لهذه الفلسفة بأفكاره وكتاباته، بل ويعد من أهم المؤرخين لها على ندرتهم. فانتهى تفكيره وتعليله إلى سبب قريب : فهو لم يملك الوقت لإعمال الذهن في إجابته حينما قوبل فجأة بهذا السؤال، ولكنه لاشعورياً كان يحس بالابتذال في الكلمات المنتهية بالياء المشددة دلالة على الانتساب إلى جماعة بالذات أو مهنة معينة. فهذه الكلمات تبدي برأيه تعميماً مبهماً. إذ أن الفلسفة الوجودية إنما جاءت مناقضة لتلك الحركات الجماعية وتلك الفلسفات التي تدعو إلى صب الناس في قوالب معينة، من ناحية الاعتقاد والتفكير وأسلوب الحياة ونوع ال

رسالةٌ في التحلُّل \ إميل سيوران

صورة
حقائقنا ليست أكثر قيمةً من حقائق أسلافنا. أحللنا المفاهيم محل أساطيرهم ورموزهم فإذا نحن نعتقد أننا «متقدمون». إلّا أنّ تلك الأساطير والرموز لا تعبر إطلاقا عمّا هو أقل من مفاهيمنا. شجرة الحياة، الثعبان، حواء والفردوس، تعني بقدر ما تعني: الحياة، المعرفة، الغواية، اللاوعي. التصورات الملموسة للشر والخير في الميثولوجيا تضاهي من حيث العمق تصورات الشر والخير في الإيطيقا. لا يتغير العلم أبدًا من حيث العمق: وحدهُ الديكور يتغيّر. يتواصل الحب من دون فينوس والحرب من دون مريخ، وإذا كانت الآلهة قد كفّت عن التدخل في الأحداث، فإن الأحداث لم تصبح أكثر وضوحا ولا أقل تحييرا: كل ما حدث أن جهازًا كاملاً من الصّيغ حل محل مضخّة الأساطير القديمة، دون أن يتسبب ذلك في أي تحوير لثوابت الحياة البشرية، التي عجز العلم عن إدراكها بعمق أكثر مما فعلت الروايات الشعريّة. ليس للعُجب الحديث حدّ: نعتقد أننا أكثر تنويرًا وعمقًا من القرون الماضية كافة، ناسين أن تعليم بوذا وضع المخلوقات أمام مسألة العدم، تلك المسألة التي يخيل إلينا أننا اكتشفناها لأننا غيرنا حدودها وأدخلنا عليها شيئا من سعة العلم. لكن هل من مفكر غربي يتحمل ال

مهزلة العقل البشري \ علي الوردي

صورة
  يحكى أن قرويا ساذجا جاء إلى بغداد لأول مرة في حياته فمر بدكان لبيع الحلوى...ذهل القروي حين رأى تلك الحلوى اللذيذة مصفوفة في واجهة الدكان وصاحب الدكان جالس بجانبها ساكنا لا يأكل منها شيئا! ظن القروي أن صاحب الدكان أعمى لا يرى هذه اللذات المتراكمة حوله. ولكنه وجد بعد الفحص أنه ليس أعمى. فازدادت دهشته! إنه لا يستطيع أن يتصور إنسانا يجلس بجانب حلوى ولا يأكل منها ! وسبب ذلك أن هذه الحلوى ناذرة في القرية التي جاء منها. ولعله لم يأكل منها إلا مرة واحدة في حياته. وذلك في عرس ابن الشيخ. ولا شك بأنه شعر بلذة قصوى حين أكل منها. وقد دفعته سذاجته الى الظن بأن الحلوى تعطي آكلها لذة قصوى كل ما أكل منها. ولا فرق في ذلك بين من يأكل منها قليلا أو كثيرا. ولهذا وجدناه مذهولا عند رؤية رجل يجلس بجانب تلك الحلوى وهو ساكن وهادئ لا يسيل لعابه كأنه جالس بجانب الطين والقصب! وما حدث لهذا القروي الساذج يحدث لكل منا في وقت من الأوقات. فإذا رأى أحدنا فتاة جميلة وهي تمشي بالشارع ظن أنه سيكون أسعد الناس اذا اقترن بها أو قبلها على أقل تقدير. إنه يتوهم ذلك في الوقت الذي نجد فيه زوج الفتاة قد مل منها وكاد يلفظها لفظ ال

شجرة الحياة \ إميل سيوران

صورة
  ليس من صالِح الإنسان أن يتذكَّر في كلِّ لحظةٍ أنّه إنسان. وإذَا كان الانكبابُ على الذات أمرًا سيّئًا فإنّ الانكبابَ على الجنس البشريّ بحماسةِ مهوُوسٍ أمرٌ أسوأ: إنّه يعني أن ننسب إلى متاعب الاستبطان الاعتباطيّة أساسًا موضوعيًّا ومبرّرًا فلسفيًّا. في وسعِ كُلٍّ منّا التعلُّل بالتفكير في أنّه يستسلم لنزوةٍ، مادامَ يجترُّ أناه. لكنْ ما إن تصبح الأنواتُ كافّةً محْوَرَ اجترار لا نهاية له، حتى نقف جميعًا بشكْلٍ غير مُباشرٍ على سلبيّات شرطنا وقد عُمِّمَت، وعلى حادثتنا الخاصّة وقد أُنْزِلَتْ منزلةَ المعيار والحالة العامّة. نبدأ بإدراك الطابع الشاذّ لوجودنا كواقعٍ خام. بعدئذ نشعر بشذوذ وضعنا النوعيّ: إنّ دهشتنا من أن نكون تسبق دهشتنا من أن نكون بشرًا. إلاّ أنّ من المفترض أن تُمثِّلَ غرابةُ وَضْعِنا المُعطَى الأساسيّ لحيراتنا: أن نكون بشرًا أقلُّ طبيعيّةً من أن نكون فحَسْب. نشعرُ بذلك غريزيًّا. من ثمَّ تلك اللذّةُ التي نحسُّ بها كُلَّما أَعْرَضْنَا عن أنفُسِنا لِنَتَماهَى بِنَوْمِ الأشياء الهانئ. لسنا نحنُ حقًّا إلاّ حين نقفُ وجهًا لوجهٍ مع ذواتنا فلا نتطابقُ مع شيء، ولا حتى مع فرادَتِنا. هذه

الوعيُ كمنفى \ إميل سيوران

صورة
   يقول سيوران : " من الأفضل أن أكون حيواناً بدل إنسان ، وحشرةً بدل حيوان ، ونبتةً بدل حشرة ، وهكذا دواليك.. ". إذا كان الإنسان الكائن الوحيد الذي يتميَّز بالعقل ، فإن سيوران يمقُت هذه الميزة ، لأن الوعي الذي يفرزه هذا العقل هو سرُّ الشقاء في هذه الحياة. يقول : "الجهل وطن و الوعيُ منفى".   الوعي لعنة مزمِنة ، كارثةٌ مهولة. الوعي هو الذي يجعلنا نُدرِك خُبثَ هذا العالم ، بمجرِّد أن نعي هذا العالم ، فإنه سرعان مايسبب لنا ذلك الوعي شقاءً مزمِناً. وكما يقول "المتنبي" : "ذو العقلِ يشقى في النعيم بعقلهِ...وأخو الجهالةِ في الشقاوة ينعمُ "  من على قمم العقل تبدو لنا الحياة كلها كمرضٍ عضالٍ والعالم كلمجأ مجانين. الوعي شرخٌ وخِلاف مع العالم. إنه ليس مجرّد شوكة ، بل خنجر مغروس في عمق الجسد. ألا يتوق الإنسان إلى العودة إلى الوضع الذي كان عليه قبل الوعي ؟ أليس الأطفال أكثر سعادةٍ غالباً من البالغين ؟ لنرفع الكؤوس على نخب الجهل ، لنسكر ، لنفلت من حالة الوعي !. ألا يقول لنا "باسكال" : "إن في قنينة النبيذ من الفلسفة مايفوق كل مافي الكتب" ؟! -

التأملات \ ماركوس أوريليوس

صورة
  ثمة طريقة سوقية ولكنها مُسعفة لك في أن تضع الموت في حجمه الصحيح: وهي أن تستعرض في ذهنك قائمة بأولئك الذين تشبثوا بالحياة لفترة طويلة. ماذا ربحوا من ذلك أكثر مما ربح من مات مبكراً ؟ من المؤكد أنهم يرقدون الآن جميعاً في قبورهم. وأمثالهم من الذين ساروا في جنازات كثيرة ثم جاءت جنازة كل منهم. ما أقصر المسافة بين الميلاد الموت. أنظر أي عناء نحتمله في هذه المسافة، وأي صحبةٍ تكتنفنا فيها ومع أي صنف من الناس، وفي أي جسد واهن نقطعها في جهدٍ جهيد. ليست الحياة إذن بالشيء الثمين. أنظر إلى هول فجوة الماضي من وراءك وإلى اللانهاية الأخرى من أمامك. ما الفرق من هذا المنظور بين رضيع عاش ثلاثة أيام وانسان آخر عاش ثلاثة أجيال؟.

ما وراء الخير والشرّ \ نيتشه

صورة
  هل سيكون هؤلاء الفلاسفة المستقبليون أصدقاء للحقيقة هم أيضاً؟ من المحتمل جدًّا: إذ كُلّ الفلاسفة كانوا محبين لحقائقهم حتَّى الآن. لكن من المؤكَّد أنَّهم لن يكونوا دوغمائيين. سيكون ذلك منافيًا لكبريائهم، ومما لا يناسب ذوقهم أيضًا، إذا ما أُريد لحقيقتهم أن تكون حقيقة للجميع؛ وتلك هي الأمنيّة والفكرة السرِّيّة التي ظلَّت تسكن طموحات الدوغمائيين حتَّى الآن. ”حُكمي هو حكمي الخاصّ؛ ولا يمكن لغيري أن يدّعي بكلّ بساطة حقًّا لهُ في ذٰلك“، قد يقولُ ذٰلكَ فيلسوف مُستقبليّ. علينا أن نتخلَّص من الذوق السمج الَّذي يتمثل في إرادة أن نكون على اِتفاق مع عدد كبير من الناس. ما هو ”خيرٌ“ لن يظلَّ ”خيرًا“ إذا ما جرى على لسان جاري. وكيف يمكن أن يكون هناك ”خيرٌ عُموميٌّ!“.  فالعبارة هٰذه تُناقِضُ ذاتها في ذاتها؛ إذ ما يمكن أن يكون عموميًّا يكون قليل القيمة دومًا. وبالنهاية، ينبغي أن تظلَّ الأمور على ما هي عليه وما كانت عليه دومًا: الأشياء العظيمة للعُظماء، والأعماق للعميقين، والأشياء الليّنة والرَّقيقة للأرواح الرَّقيقة، وعمومًا وباختصار: كل ما هو نادر للنادرين.   

بيدرو بارامو \ خوان رولفو

صورة
  رواية بيدرو بارامو لخوان رولفو  رواية صغيرة الحجم لكنها أثرت كوحش على عشرات الروائيين. قال غابرييل غارسيا ماركيز إنه شعر بالعجز عن العمل كروائي بعد أن كتب أول أربعة كتب له وأن اكتشافه الذي غير حياته لبيدرو بارامو في عام 1961 هو الذي فتح طريقه لتكوين تحفته ‏مائة عام من العزلة. علاوة على ذلك ، ادعى غارسيا ماركيز أنه "يمكنه قراءة الكتاب بأكمله ، للأمام والخلف". اعتبر خورخي لويس بورخيس بيدرو بارامو أحد أعظم النصوص المكتوبة بأي لغة. أثرت هذه الرواية تأثيرًا حاسمًا على مسار رواية أمريكا الجنوبية لا سيما اتجاه الواقعية السحرية الذي عرف ‏"خوان رولفو" بأنه بمثابة الأب الروحي له. قال عنها بورخيس  إن بيدرو بارامو واحدة من أفضل الروايات في الأدب الإسباني، بل الأدب العالمي ككل. اقتباس من الرواية :  _‏ونحن هنا وحيدون تمامًا. نموت من أجل التعرف ولو على قدر ضئيل من الحياة. _‏هذا العالم يضغط على أحدنا من كل الجهات، ويفرغ حفنات من غبارنا هنا وهناك، ويحللنا إلى فتات وكأنه يرش الأرض بدمنا. ما الذي فعلناه؟ - ما أحوال أمك؟ - لقد ماتت. - ومم؟ - ربما حزنًا، كانت تتنهد كثيرًا - كل تنهيدة

الإنسان والتقنيّة \ اِشبنجلر

صورة
    كانَ الإِنسانُ، وما زالَ، سَطحيًّا أَضحَلُ، وجَبانًا لدرجةِ أنَّهُ لَم يَتحمَّل حقيقةَ موتِ كُلِّ شيء حَيّ. إنَّهُ يُلَّحِّفُ هٰذه الحَقيقةَ بِلِحافِ التفاؤل الورديُّ للتَّقدُّم، إنَّهِ يُكوِّمُ عليها زُهورَ الفُنون والعُلومِ والأَدَبِ، لاجِئًا وراءَ مَلجَأ المُثُل العُليا حتَّى لا يُبصِرُ شيئًا. لٰكِن، الفاني هو شكلُ كلُّ ما هو حَقيقي، مِن الولادة والوفاة، مِن النُّجومِ الّتي لا يُحصى مصيرها، وصولًا الىٰ اِلتقاءات سريعة الفناءِ على كوكبنا. إنَّ حياةَ المرءِ -سواءَ أكانَ حيونًا أو نباتًا أو إنسانًا- فانيَّةٌ شأنُها شأنُ الأُمَّمِ والثقافات. إنَّ كُلّ خَليقةٍ محكومٌ عليها مُسبقًا بالفناءِ، كُلُّ فكرةٍ، وكُلُّ اِكتشافٍ، وكُلُّ عَمَلٍ سَيَطواهُ النِّسيانُ.  هُنا، وهُناك، وفي كُلِّ مكانٍ نَحنُ مُدرِكونَ لمسارات التَّاريخ المَنكوبَة الّتي اختفت. أطلال الخلائِق والمكوِّنات ”الَّتي كانت“ للثقافات الفانيّة الّتي تكمنُ في كلّ شيء عنّا. ماذا عن عجرفةِ بروميثيوس؟، ذاكَ الَّذي أدخلَ يدهُ في السّماءِ لغرضِ إخضاع القوى الإِلهيّة للإنسانِ، كانَ يحملُ معهُ سُقوطهُ. ماذا، إذن، من الثَّرثَرَةِ حولَ