المشاركات

الجريمة والعقاب/ دوستويفسكي 

صورة
   لطالما ترسخ في ذهني مشهد كلما قرأت كلمتي "الجريمة والعقاب" أن أحدًا يُنفذ فيه حكم قاسٍ لارتكابه جريمة ما. لكن الأديب الروسي الكبير فيودور ميخائيلوفيتش دوستويفسكي طير ذلك المشهد من رأسي.. الجريمة والعقاب، هو اسم أهم رواية كتبها دوستويفسكي، ويصنفها البعض من أهم عشرة كتب في التاريخ. _______ قرب نهاية الأصيل، أي قبل المغيب بقليل، يتمشى شاب في ريعان شبابه، لا يدري إلى أين هو ذاهب بالتحديد ولا يهتم، فقط سار بخطى وئيدة لا يلوي على شيء، لكنه كان يخاطب نفسه حول أمر احتل له في عقله مكانًا في الآونة الأخيرة، هذا الأمر هو ارتكاب جريمة. لكن الفتى، واسمه راسكولينكوف، وهو طالب سابق، لا يعدها جريمة، كان يعتبرها خدمة سوف يقدما للإنسانية. وتلك الخدمة هي قتل عجوز مرابية، ومعنى مرابية أنها تقرض الناس أموال بفائدة ومقابل رهن ما، ودائمًا ما كان الرهن شيء ثمين عزيز لدى المقترض، وإن لم يرجع المقترض ما اقترضه خلال فترة زمنية محددة، يكن الرهن من حقها حسب الاتفاق، وغالبًا ما كان يحدث ذلك نظرًا لتعثر حال المقترض. راسكولينكوف، شاب ذكي، نبيل، ذو مروءة، يسعى لخدمة الناس من دون أن ينتبه

لا يمنح الإسم هوية للبطل عند بيكيت

صورة
    لا يمنح الإسم هوية للبطل عند بيكيت. فكما هو الشأن عند يونسكو، نحن لا نعرف مهنة الشخصية ولا انتماءها الإجتماعي، لأنها شخصية منبوذة ومهمشة، بل لا جذور لها. إن البطل في مسرحيات بيكيت مجرد شخص مسكين، لاتاريخ له، وهو مصدر غموض وابهام. وهوية البطل وجب البحث عنها في جسده وفي الفضاء الركحي وفي علاقته بالآخرين. - يحتل الزوجان أو الرفيقان لوحدهما الخشبة ويهيمنان على الفضاء الركحي. فلا وجود لشخصيات ثانوية في مسرح بيكيت : ففي مسرحيتي "في انتظار غودو" و"نهاية اللعبة" يتعلق الأمر بمواجهة بين رفيقين. وفي مسرحية "الأيام الحلوة" يتواجا الزوج ويلي والزوجة ويني في صحراء نائية، ورغم أن العلاقة بينهما هشة ومنفصمة فإنهما مع ذلك يتعايشان ويوجدان. - وشخصيات بيكيت في الغالب ما تتحرك في فضاء مغلق وتخشى اجتياح واحتلال شخص ثالث لفضائهما،هذا الإحتلال الذي يشكل خطرا على العلاقة الهشة التي تجمع بينهما، بل إن العلاقة السادية-المازوخية هي شرط أولي لإستمرار حياة الزوجين أو الرفيقين: إن هذه الكائنات التائهة أبديا، تقضي وقتها في التنابز والتصارع وتبادل الإتهامات. وهناك عنصر مشترك بين الأ

الزهرة في الصخرة / بقلم د. روان عصام يوسف

صورة
  كثيراً ما أتوقف أمام الآية الكريمة التى تقول: ” ويخلق ما لا تعلمون ” وأتساءل ألا تضع كلماتها المقدسة مفتاحاً للتفكير والتفكر فيما حولنا وما هو الذي لا نعلمه .. وذات مرة وانا اتصفح احد مواقع التواصل الاجتماعي اذ أنني أري أمامي صورة تتجسد بها كل الكلمات المقدسة التي وردت في هذه الاية .  ارى امامي زهرة انبثقت من بين الصخور، لكي تعلن عن ولادتها وعن مدي قوة الطبيعة التي تشق طريقها ولو من بين الصخور , وأتسائل أي الزهور انت ..؟ فانت زهرة برية تخرج من بين الصخور لا تشبه اي زهرة اخرى فهي نادرة الوجود, ولدت لتشق الصخر وتتنفّس وترى الضوء متمردة على الواقع وعلى الطبيعة والظروف, رافعة رأسها وفاتحة عيناها الى السماء لتغير وجه السماء بنثر عطرها فيه, فتلك الزهرة البرية قوية على الظروف هي الزهرة النادرة البرية التي تأبى ان تمسها يد تزرعها فهي حرة وتأبى ان تتكل على احد يهتم بها تحفر جذورها بالصخر الصلب تنبت ما بين ضلوعه عنوة, هذه الزهرة هي بمثابة الامل بالنسبة لي, فمهما كانت الامال مستحيلة وتحقيقها اشبه بالمحال فلابد من وجود وسيلة لتحقيق هذه الامال حتي ولو كانت كل الظروف القاسية ضدي.  فهذه زهرة لا تمت

مسرحية الدرس ليونيسكو / د. علي خليفة

صورة
  تحول الحلم لكابوس في مسرحية الدرس ليونيسكو د علي خليفة في رأيي أن مسرحية الدرس ليوجين يونسكو تتشابه في بنائها مع الحلم الذي يتجاوز الحقائق ويصنع عالما خاصا به ولكن هذا الحلم ما يلبث أن يتحول لكابوس فإذا بالعالم الهادئ الذي أوجده يصيبه مس الكابوس فنرى بعض أشخاصه وقد تحولوا لسفاحين بعد أن كنا نراهم في صورة حالمة ففي هذه المسرحية تفتح الستار عن خادمة في منزل مدرس تستقبل تلميذة في الثامنة عشرة من عمرها بترحيب ثم يرحب بها المدرس ويسألها أسئلة سهلة بل ساذجة وتجيب عنها كسؤاله لها عن عاصمة فرنسا وسؤاله لها عن حاصل جمع واحد وواحد وما شابه ذلك من أسئلة لا تتناسب إلا مع التلاميذ الصغار لا طالبة في الثامنة عشرة من عمرها ويثني عليها المدرس ويعرف منها رغبتها في الحصول على دكتوراة شاملة في العلوم والآداب معا وبالطبع هذا عبث ولكنه مقبول في منطق الحلم ومع تتابع أحداث المسرحية نرى المدرس يقدم معارف مغلوطة للتلميذة عن أشياء كثيرة لا سيما في اللغات التي لا يرى فوارق بينها ولعل المؤلف يعني بهذا أنها تتشابه في كونها فقدت القدرة على إيجاد التواصل بين الناس ومع تتابع أحداث المسرحية تتحول عبارات الثناء من

راسكولنيكوف/ دوستويفسكي "الجريمةوالعقاب"

صورة
 ( سأقدم نصا يختصر بعمق القضايا الفكرية ذات الطابع الفلسفي الأصيل التي يطرحها دوستويفسكي في رواياته ، و النموذج اليوم هو بطله 'راسكولنيكوف' الذي يشخص من خلاله تيارا فكريا ومنهجا حياتيا ، استطاع دوستويفسكي أن يصوغه بفنه الرائع ).   إن ما كان يؤلمه إيلاما شديدا حتى جعله مريضا ، إنما الجراح التي أصيبت بها كبرياؤه ! .. لقد كان يمكن أن يسعد أشد السعادة لو كان في وسعه أن يتهم نفسه و أن يدين نفسه ! لو استطاع ذلك إذن لكان يمكن أن يحتمل الخزي و ان يحتمل العار ! و لكنه مهما تشتد قسوته في الحكم على نفسه ، فإن ضميره المتصلب كان لا يجد في ماضيه أية خطيئة فظيعة ، اللهم إلا أن تكون هذه الخطيئة هي أن ضربته قد أخفقت . صحيح أن هذا يمكن ان يقع لجميع الناس ، و لكنه كان يشعر بالخزي من أنه ضاع بمثل هذه العماوة ، بمثل هذه الحماقة ، بمثل هذا الانهيار ، و من أنه خاصة مضطر..أن ينصاع لحكم هذا القدر الأعمى ، و أن يخضع أمام سخافة هذا الحكم ، إذا هو أراد أن يسترد الهدوء و السكينة . إن قلقا لا موضوع له و لا غاية له في الحاضر ، و أن تضحية متصلة غير منقطعة في المستقبل ، ذلك كل ما ينتظره هنا على هذه الأرض

نيتشه برواية لو سالومي

صورة
   الكائن الأسمى لدي نيتشه هو من يتحملُ مشقة عملية التحرر ويعلنُ الحربَ على القناعات التي برأيه هي أعداء الحقيقة وأشدّ خطورةً من الكذبِ ، إذاً فإنَّ فحوى الرسالة التي كتبها لسالومي "على المرء أن يواجه عناء إنعتاقه من أغلاله هو، وأخيراً على المرء أن ينعتقَ من ذلك الإنعتاق أيضاً" يعكسُ مايصبو إليه نيتشه من التفوق على نفسه والذهاب بعيداً عن مُثله الأمر الذي يفسرُ التباين في أفكاره باختلاف المراحل التي عاشها بكل صخب وجودي وعنفوان معرفي والمبدأُ الأساسي في حياة مؤلف "أفول الأصنام" هو تفكيك المفاهيم الفلسفية القارة، لذلك لايصحُ الإستغراب من مواقفه المتناقضة حول الشخصيات التي صاحبها أو كانت بمثابة بارادايم بالنسبة له، ومن ثمَّ انقلبَ عليها إذ أن تكوينه العقلي يتميزُ بصفة الجدلية والنزوع إلى الخطاب السجالي فهو يصفُ منهجه لافتاً إلى أنَّ "هذا المفكر ليس في حاجة إلى من يدحضهُ ويفندهُ فهو يفعل ذلك بنفسه ببراعة متناهية" مايعني أنَّ التفكير هو وجه آخر للتقويض والنقد.واللافتُ في هذا السياق أنَّ حياة نيتشه الفكرية هي إمتداد لسيرته الحياتية وماعاناهُ من الأمراض الجسدية ا

الإصغاء و الخلوة مع الذات \ إريك فروم

صورة
   يُبين "إريك فروم" في كتابه "الإنسان من أجل ذاته" أن شرط الوجود الاجتماعي هو الوجود في البيت ! وشرط الإصغاء إلى الآخر هو الإصغاء إلى الذات. وإصغاء المرء إلى نفسه يواجِه في ثقافتنا الحديثة صعوبات جمّة. يقول فروم : "إن إصغاء المرء إلى نفسه شديد الصعوبة لأن هذا الفن يقتضي قدرة أخرى نادرة في الإنسان الحديث ، هي قدرة المرء على أن ينفرد بذاته ، ونحنُ في الحقيقة أنشأنا رهاب الانفراد ، ونفضِّل أتفه صحبة أو حتى أبغضها ، على أن ننفرد بأنفسنا. أعتقد أن الخوف من أن نكون وحيدين مع أنفسنا هو إلى حد ما شعور بالارتباك ، فنضيع بذلك فرصة الاستماع إلى ذواتنا ، ونستمر في جهلنا لأنفسنا".  على أنه لا مفرّ للإنسان الذي يود أن يتقدم في الحياة من أن يفهم نفسه بعمق إذا أراد أن يفهم الذين حوله و يفهم العالم. فالمعرفة النفسية ليست اختصاصاً قد نميل إليه أو لا نميل ، بل هي ضرورة لنا جميعاً مهما كانت توجهاتنا. يقول فروم : "كيف للمرء أن يعرف العالم ؟ كيف للمرء أن يعيش ويستجيب كما ينبغي إذا كانت تلك الأداة التي ستعمل ، والتي ستقرر ، مجهولة بالنسبة إلينا ؟ نحن المرشد والقائد لهذا (

المواقــف العبثيـــة \ علي خليفة

صورة
  المواقف العبثية هي مواقف لا تخضع للمنطق والعقل، ويتم فيها حدوث أفعال غريبة تثير الدهشة، وتدعو للضحك. وكثيرًا ما نرى هذه المواقف العبثية في مسرحيات كتاب العبث، وأكثر مسرحيات كتاب العبث تقوم على مواقف عبثية تدعو للضحك في ظاهرها، ولكنها في باطنها وعند تعمق دلالاتها نرى أنها تشير إلى كثير من أزمات الإنسان في العصر الحديث، ومنها تفسخ العلاقات الإنسانية، وعدم قدرة الإنسان على التواصل مع أحد؛ ولهذا فإنه ينعكف على نفسه  – كما نرى في مسرحية "شريط كراب الأخير" لصمويل بيكيت –  وقد يقوم هو بنفسه بعمل سواتر تعزله عن غيره؛ لأنه لا يرى جدوى من تواصله مع أحد – كما نرى في مسرحية "الساكن الجديد" ليونسكو –. والحقيقة أن المواقف العبثية هي أساس الكوميديا في مسرحيات كتاب العبث، ولكننا نرى فيها عناصر كوميديا أخرى، مثل الأنماط الكوميدية، كنمط الجارة الفضولية الثرثارة التي نراها في مسرحية "الساكن الجديد" ليونسكو، وكذلك نرى من عناصر الكوميديا  في هذه المسرحيات توظيف المفارقة، والتكرار، وغير ذلك. ونرى في بعض المسرحيات لغير كتاب العبث بعض المواقف العبثية  في بعض المسرحيات التي كتبو

أجمل غريق في العالم \ غابرييل غارسيا ماركيز

صورة
  لما رأى الأطفال، أول مرة، ذاك الانتفاخ الداكن و المائج يقترب إلى وسط البحر، ظنوه سفينة من سفن الأعداء، ولكنهم ، حين رأوا أن لا وجود لأية صارية ، ولا لعلم ، تصوروه حوتا، ولكنهم بعد أزاحه الماء إلى الساحل الرملي ، و بعد أن قاموا بتنظيفه من الأعشاب و الحراشف والأصداف وبقايا السمك ، تأكدوا أنه رجل غريق. شرعَ الصبيةُ يلعبون بتلك الجثة يوارونها في الترابِ حينًا ويخرجونها حينًا حتّى إذا مرّ عليهم رجلٌ ورأى ما يفعلون نَهَرهم وسعى إلي القريةِ ينبه أهلها بما حدث. أحسّ الرجالُ الذين حملوا الميّتَ إلى أول بيتٍ في القرية أنه أثقل من الرجال،لآخرين، أحسّوا كأنهم يحملون جثّةَ حصانٍ وقالوا في ذات أنفسهم: "ربما نتج ذلك عن بقاء الغريق فترة طويلة تحت البحرِ فدخل الماءُ حتى نخاع عظامه." عندما طرح الرجالُ الجثةَ على الأرضِ وجدوا أنّها أطولُ من قامة كلّ الرجال ، كان رأس الميتِ ملتصقًا بجدار الغرفة فيما اقتربت قدماه من الجدارِ المقابلِ ، وتساءل أحد الرجال عمّا لو كان ذلك ناتجًا عن أن بعض الغرقى تطول قاماتُهم بعد الموت. كان الميتُ يحمل رائحةَ البحر ، وكانت تغطيه طبقةٌ من الطين و الأسماك. لم يكن من

على متن الريح / أسعد الجبوري

صورة
  دونكيشوت:كيف يصبح المرءُ واقعياً يا سانشو؟ سانشو:عندما يموت.فالقبر هو آخر الوقائع كما تعلمت ذلك يا سيدي الدون. دونكيشوت:ومتى يبدو المرء رومانسياً ؟ سانشو:وقتما تشيخ عضلات قلبهُ ،بحيث تسكن العواطف مثل الملابس على هي تلك الحبال التي كانت لا تحركها الريح في أيام العنفوان. دونكيشوت:وكيف يصبح المرء اشتراكياً؟ سانشو:عندما تصفرُ الريح بجيوبه ،ويكون من رموز الصعاليك. دونكيشوت:ومتى يرى المرءُ نفسه سريالياً يا سانشو؟ سانشو:السريالية هي أن يمضي حذاء الشخص في  المسير وحيداً دون صاحبه ،بعد أن تسقط المواطنةُ في الوحل، ويسقطُ المواطنُ مغشياً على الأرض.  دونكيشوت:الآن أدرك لماذا أفضلُ الليلَ مؤرخاً على النهار. سانشو:إنها لمفارقة يا سيدي الدون !! دونكيشوت: كأن يكون  الأعمى  مؤرخاً أم ماذا ؟!! سانشو:بالضبط يا سيدي الدون.ذلك هو السؤال ! دونكيشوت:لا تظنن بأن للوطن أو للمواطن ليلاً واحداً وينتهي الأمر عند حدود ذلك الزمن . سانشو:وكيف تفسر لي ما ذهبت إليه في كلامك الغامض يا سيدي الدون؟ دونكيشوت:ليس من غموض هناك. فما أن أصبح المواطن من تابعية الليل وخزائن أسراره،حتى تراه وقد اختصر مهنة الحياة بتتبع حوادث ال

نصوص من أجل لا شيء \ صمويل بيكيت

صورة
  لا أحد غيري، في هذه الأمسية، هنا، على الأرض، وصوت لا يصدر ضجَّة لأنه يمضي نحو العدم، رأس مشتت، ذراعان ممددتان نحو الأسفل وجثث تقاتل بحيوية، وجسد قد نسيته تقريباً، هذا المساء، أقول هذا المساء، وربما هو الصّباح، وكل هذه الأشياء، أي أشياء؟ تلك التي تدور حولي، لن أنكر وجودها بعد الآن، ذلك لم يعد منطقياً، أن كانت الطبيعة، لربما هي أشجار وطيور، فهما يتلائمان سوية، الماء والهواء كي يمضي كل شيء، أنا لست بحاجة لمعرفة التفاصيل، ربما أنا جالس تحت نخلة، أو هي غرفة، مزودة بالأثاث، كل المتطلبات لجعل الحياة مريحة، مظلمة، لوجود الجدار الذي يقابل النافذة. ما الذي أفعله، أتكلم، أترك أنسجتي تتحدث، لا يمكن أن يكون شخصًا غيري أنا. نوبات من الصمت أيضاً، رؤية الجهد الذي ابذله كي أكون منطقياً. هنالك حياتي، لما لا، هي حياة، أن شئت ذلك، أن توجب عليك ذلك، هذه الأمسية أنا لن أقول لا. ويجب أن يكون هناك واحدة، على ما يبدو، حين يكون هنالك حديث، لا حاجة لوجود قصة، القصة ليست إلزامية، فقط الحياة، تلك هي الغلطة التي ارتكبتها، أحدى الأخطاء، حين رغبت بقصة خاصة بي، في حين أن الحياة وحدها تكفي. أنا احرز تقدم، انه الوقت ا

فريدريك نيتشه ضدَّ العقل

صورة
  - منذ العصور الغابرة كان العقل سلطاناً في نظر الفلاسفة ، لا مرد لحكمه ، ولا ريبية في قوانينه ، يحسبونه الحاكم الأوحد للوجود ، وهذا - برأي نيتشه - أدى بالفلسفة إلى الانحطاط. وبما أن المنطق هو علم العقل ، فإن نيتشه ينسف قوانينه ومبادئه ، ويراها وهم لا يمت للحقيقة بصلة. فالعقل اخترع هذه المبادئ ( الشيء ، الجوهر ، الغائية ، العلية ، الخ ) لتعينه على التفكير. وبما أنه محتاج لتلك المبادئ فهو إذن ناقص. - وبعد اكتشاف نيتشه لهذا الخلل والنقص في العقل ، يقوم بتحليل ما يسمى قوانين العقل أو قوانين الفكر. وأولها : قانون "الهوية" أو "الذاتية" الذي يعتبر أن الشيء يبقى هو هو ، ثابت جامد ، لا تحركه الصيرورة. وهذا القانون باطل - برأي نيتشه - لأنه لايصح أن يظل الوجود هو هو ، إنما الوجود صيرورة دائمة ، وما افتراض العقل لقانون الذاتية سوى أنه - أي العقل - لايدرك إلا الصيغ الدالة على استمرار الشيء على الحال ذاته. - أما القانون الآخر وهو قانون "عدم التناقض" الذي ينص على أن الشيء لايمكن أن يتصف بصفة ونقيضها ، فيعتبره نيتشه وهم أيضاً لأننا عاجزون عن القيام بتلك العملية بعقلنا وح

الفلسفة الطاوية

صورة
   الطاوية هي فلسفة وديانة صينية شعبية رغم وجود جدل واسع حول بداية ظهور الطاوية، وحول شخصية مؤسسها، إلا أن جل الباحثين يرجعونها إلى الفيلسوف الصيني : لاو تزي و الذي قام بتأليف كتاب الـ  ( طاو طي جنغ  )  هو الكتاب الذي تعتمد عليه الطاوية بشكل رئيسي و الذي يُعتبر رموزا غامضة لا يمكن أن تُفهم إلا على ضوء الشروح الموضِّحة؛ و يعتبر (شوانغ تزي) هو المؤسس الثاني الطاوية  مبادئ الفلسفة الطاوية : -ترتكز الفلسفة الطاوية على مبدأ  الـ ( طاو  ) الأبدي، وإليه تنسب، فجميع المفكرين الصينيين قد أخذوا بفكرتي  الـ ( طاو ) و الـ ( يانغ  ) و الـ  ( ين ) بأشكال مختلفة تتناسب ورؤيتهم الفلسفية للإنسان والمجتمع. -قدمت فلسفة لاو تزي" علي أن الخلاص لا يمكن أن يتحقق بمحاولة إصلاح الأوضاع العامة و بالعمل الاجتماعي ، وإنما يكون بالابتعاد عن الحياة الاجتماعية، هذا الخلاص هو خلاص فردي منبعث من داخل النفس الإنسانية المنصاعة لقيادة الـ(طاو ) Dao - الأبدي السرمدي ،  -أما عن فلسفة "شوانغ تزي" فقد قامت أيضًا على أساس مبدأ وحدة الإنسان مع  الـ ( طاو  ) حيث يرى فيها تحقيق الحرية الفردية المؤدية إلى التحرر ال

إدجار آلان بو / قصة : القلب الوافي المترجم : نادية فريد

صورة
  مجنون .. مجنون، هذا هو ما ينادونني به.  إنني حقاً عصبي.. شديد العصبية. ولكن لماذا يقولون إنني مجنون ؟!   هذه الحمى التي أصابتني العام الماضي.. أصابت حواسي بالحدة ولكن لم تدمرها، بالاضافة إلى ذلك أصبحت حاسة السمع عندي أقوى الحواس، فأنا أسمع أشياء في السماء والأرض، بل أنني أسمع أشياء كثيرة في الجحيم، فكيف بالله عليك أكون مجنوناً .  اسمع وسوف ترى بنفسك كيف أبدو هادئاً وأنا أقص عليك القصة بأكملها.  من المستحيل أن أتبين كيف وردت هذه الفكرة على ذهني أول مرة، ولكنها قفزت إلى ذهني فجأة، وأخذت تلح عليّ ليلاً ونهاراً. ولم يكن هناك في الحقيقة أي مبرر للأفعال التي وردت على ذهني - (القتل)  إنني أحب الرجل العجوز، فقد قمت باستئجار سكن بمنزله، وهو لم يغالطني أبداً، كما لم يؤنبني قط. حقاً أن لديه ذهب كثير، ولكني لا أريده.  أعتقد أنها كانت عينه، كانت عينه هي التي تزعجني. فأنت ترى احدى عينيه طبيعية ولكن الأخرى تشبه عين النسر ! .. كانت زرقاء باهتة عليها غشاوة. وكلما نظرت هذه العين نحوي، أشعر بدمي يجري بارداً وهكذا.. وبالتدريج. وبعد كثير من التفكير - عقدت العزم.. أنني سأقتل الرجل العجوز. وبالتالي سأتخلص

رحيل برنار ستيغلرالمتمرّد الذي أدركته الفلسفة في سجنه

صورة
  _ أبو بكر العيّادي / صحيفة العرب اللّندنيّة  هو رجل غادر التعليم مبكرا، ليشارك الطلبة تمرّدهم أثناء ثورة مايو 68، ثم مارس عدة أعمال هامشية قبل أن ينحرف ويدخل السجن. في سجنه اكتشف الفلسفة وراح يدرسها بتشجيع من جاك دريدا، ولما غادر السجن صار مفكرا يساريا ينتقد بشدة انحرافات المجتمع الليبرالية، ويجري بحوثا عن تحولاته من خلال المنظومة الرقمية. إنه الفيلسوف جورج ستيغلر الذي وافته المنية فجأة الخميس الماضي عن سن تناهز الثامنة والستين.  أبو بكر العيادي عرف برنار ستيغلر (1952-2020) كفيلسوفٍ يساري بارز ركز بحوثه على دور المستحدثات الرقمية في التحولات المجتمعية، وناقدٍ شرس للنظام الرأسمالي وانحرافات المجتمع الليبرالية، ولكن قلة قليلة تعرف أن حرفة الفلسفة أدركته في السجن، وأن مسيرته لم تكن مجرد نهر طويل هادئ، يبدأ بالدراسة وينتهي بالشهائد والمؤلفات وشغل المناصب. فقد هجر مقاعد الدراسة في سن السادسة عشرة لينضم إلى الطلبة الثائرين في ما عرف بثورة مايو 68، وكان قد بدأ يكتشف ماركس وتروتسكي، ثم انخرط في الحزب الشيوعي للدفاع عن البروليتاريا، ولكنه ما لبث أن انسلخ عنه عام 1976 تنديدا بـ"ستالينية&q

المَوتُ رؤية فرويديَّة

 لم تكن نظرتنا للموت نظرة سليمة أبداً ، وكنَّا بالطبع نسلِّم بأن الموت هو النهاية الضرورية للحياة ، وأن كل واحد منا مَدين للطبيعة ، وينبغي أن يتوقَّع أنه في يوم من الأيام سيُوفِّي الدَّين. وبالاختصار : فالموت شيء طبيعي لاسبيل للإفلات منه ، ومع ذلك فقد تعوَّدنا أن نتصرف كما لو كان الأمر بخلاف ذلك ، ونظهر من السّلوك الواضح ما يستشفّ منه أننا قد استبعدنا الموت من الحياة ، ووضعناه على الرَّف ، وأخرسناه ، وصرنا نحاول التفكير في أشياء أخرى تصرفنا عن التفكير بالموت. - وبالطّبع فإن الموت الذي نتحدث عنه إنما هو موتنا نحن ، ولكننا في الواقع لا نفكِّر فيه على أنه موتنا نحن، بل إننا كلما تخيلناه تدافعت صوره في مخيلتنا بوصفنا مُتفرجين ، ولذلك فإننا قلنا - من خلال التحليل النفسي - أننا في أعماقنا لا نعترف بأننا سنموت ، وأننا بمعنى آخر نعتقد - في لاشعورنا - أننا خالدون. - أما عن موت الآخرين ، فكل إنسان مُتحضِّر يتجنب الحديث - قدر المستطاع - عن موت الآخرين على مسمع منهم ، اللّهم إلا إذا كان محامياً أو طبيباً أو شيئاً من هذا القبيل ، إذ أن على أولئك أن يتعاملون مع فكرة الموت من وجهة نظر مهنية. وفي

الجانب الصوفي في الفلسفة الإسلامية للدكتور إبراهيم بيومي مدكور

صورة
 أثر هذه النظرية في الفلسفة المدرسية اليهودية والمسيحية، وفي بعض فلاسفة العصور الحديثة، وفلسفة اليهود في القرون الوسطى، أو بعبارة أدق الدراسة اليهودية الفلسفية في ذلك العهد هي في الواقع صدى للفلسفة الإسلامية، واليهود هم خلفاء العرب على تراث أرسطو والفلاسفة الآخرين، وقد فازت الفلسفة على أيديهم منذ القرن الثالث عشر الميلادي فوزاً عظيماً، وأضحوا أنصارها طوال القرون الثلاثة التالية حين خذلتها الشعوب الأخرى، فأخذوا الأفكار العربية أو المعرَّبة ونقلوها إلى لغتهم وتدارسوها فيما بينهم، وتتلمذوا لفلاسفة الإسلام تلمذة صادقة مخلصة، ودون أن نستقصي هنا كل مفكريهم نكتفي بأن نشير إلى شيخهم الأعظم وأستاذهم الأكبر موسى بن ميمون الذي يعد بحق الممثل الأول للفلسفة اليهودية المدرسية، وإذا ما ذكر ابن ميمون ذكرت الفلسفة الإسلامية على الفور، فقد اعتنق كل نظرياتها تقريباً، وصادفت نظرية السعادة بوجه خاص من نفسه هوى، ووجد فيها مجالاً فسيحاً للتوفيق بين الفلسفة والدين، فهو يعتقد أن البحث والثقافة سبيل الكمال الإنساني، وأن العلم هو العبادة الحق التي يستطيع العبد التقرب بها إلى ربه وكشف الحقائق الغامضة؛ وكلما أمعن

نوافذ على اللاّشيء/ إميل سيوران

صورة
نوافذ على اللّاشيء(غاليمار، 2019) هو العنوان الذي اختاره المترجم نيكولاس كافاييس لتقديم آخر أعمال إميل سيوران (1911 -1995) التي كتبها باللغة الرومانية، قبل تحوّله نهائياً إلى الكتابة بالفرنسية، وهو عمل يُنشر له لأوّل مرّة نقلاً عن إحدى المخطوطات المحفوظة بعد وفاته، ويضم شذرات كتبها سيوران في ذروة أزمةٍ داخلية طويلة، ثمّ تخلّى عنها في صيغتها الخام، أو لم يهتمّ بمراجعتها ونشرها فيما ذلك، وهي تعود إلى الفترة ما بين 1943-1945، وربّما كتبت في عام 1944، وهي فترة غزيرة الإنتاج، خصوصاً بين عامي 1940 و1946، كتب خلالها سيوران أربعة أعمال متتالية دون أن ينشر منها أيّ كتاب. جمعت مخطوطةُ الكتاب 300 ورقة منفصلة، محفوظة في المكتبة الأدبية جاك- دوسي بباريس. والترقيم الذي وضعه سيوران على هذه الصفحات- وهي دليل على أنّه كان ينوي تأليف كتاب رغم غياب أيّ تقسيم للفصول أو الأجزاء – تمتدّ من الصفحة 1 إلى 314، ضاعت منها بعض الصفحات، أو مُزّقت وسُحبت من المجموعة. ومن المحتمل أن هذا الكتاب جاء بعد الانتهاء من تأليف “كتاب أدعية المهزومين” وكتاب “من فرنسا”، كما يبدو أنه كُتب قبل “هذيانات” الذي بدوره يطفح بخيبة الأ