المشاركات

مفهوم التسامح في فلسفة جون لوك

صورة
إن العقل في نظر "لوك" عنصر أولي بسيط التكوين. و هو يُولَد صفحة بيضاء ، وبذلك يُولد الناس متساوين في قدراتهم على المعرفة ، وتنطبع في عقولهم تجاربهم الحياتية التي هم غير مسؤولين عنها ، بل يتم تلقينهم اعتقاداتهم مهما كانت منابِتها متباعدة ومتشعِّبة. ولقد أنجب فكر ذلك العصر المادّي فلسفة سياسية ذات أسس إنسانية النزعة تقبل مكونات المجتمع بأكملها ، بوصفهم عناصر ذرية متساوية الحقوق وتستحق الاحترام مهما كانت معتقداتها. ومن هذه النظرية انطلق "لوك" لتأسيس نظريته في التسامح الديني. - يتحدّث "جون لوك" عن محدودية المعرفة البشرية ، و بالتالي يفتح الباب أمام التسامح الديني ، وتقبُّل الرأي الآخر ، فضلاً عن أنه يُشكِّك في المعرفة الحدسية. فحدود المعرفة الإنسانية تقود إلى احتمال الخطأ خاصّةً في الأمور التأملية ، لذا لا يجد يقيناً في الآراء الدينية. ومن هذه الحجة ينطلق "لوك" للمناداة بالحرية الشخصية والحرية الدينية معاً. إذن أصبح العقل هو العامل المشترك بين الناس - وهذا ما أكده ديكارت من قبل ، حيث يقول "العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس" - . وبالتال

« التفكير فريضة إسلامية » للعقاد

صورة
الفلسفة بقلم عباس محمود العقاد فلسفة التاريخ، وفلسفة اللغة، وفلسفة الأخلاق، وفلسفة الرياضة وغيرها من أنواع الفلسفة مصطلحات حديثة يراد بها البحث في النظريات والأفكار التي تقوم عليها تلك العلوم، أو البحث في النظريات والأفكار التي تفسر تلك العلوم، وتبين وجهتها وغايتها، ويراد بهذه الفلسفات — إجمالًا — أنها دراسات فكرية فرضية غير الدراسات التي تقررت بالوقائع والتجارب المحسوسة من قبيل علوم الطبيعة وما جرى مجراها … إلا أنَّ الفلسفة التي نعنيها هنا أعم من هذه الفلسفات جميعًا؛ لأنها قد تشملها من وجهة النظر في الأصول، وتجاوزها إلى البحث فيما وراء الحقائق المحسوسة، مما يسمى أحيانًا بالبحث فيما وراء الطبيعة، أو البحث في كنه الوجود كله على التعميم … ويلاحظ في التاريخ المتواتر أنَّ هذه الفلسفة العامة — فلسفة ما وراء الطبيعة — شاعت في بعض الأمم القديمة، وقل شيوعها في أمم أخرى … ويلاحظ كذلك أنَّ بلاد الدول الكبار لم تكن بيئات صالحة لنشأة هذه الفلسفة ونبوغ فلاسفتها، وأنَّ الأمر لا يرجع إلى اختلاف درجات الحضارة؛ بل إلى أسباب غير هذا السبب، كما يؤخذ من تواريخ الحضارات الأولى … فالهند ومصر وبلا

من دفتر اليوميات / ألبير كامو

صورة
لسنوات عديدة كنت أعيش حياتي طبقاً للمعايير الأخلاقية الخاصة بالجميع حيث أنني أجبرت نفسي على العيش مثل أي شخص آخر و أن أنظر للأشياء من وجهة نظر أي شخص أخر و كنت أردد مثل ما يقول الجميع لكي يكون هناك نوع ما من الرابطة بيني و بين الأخرين حتى لو كنت أشعر بالإنفصال التام عنهم في داخلي ، و بعد ذلك كله حدثت الكارثة حيث أنني الأن أتجول وسط حطام نفسي بطريقة فوضوية و متمرداً على كل شيء مهشم تماماً من داخلي وحيداً مع تقبلي لكي أكون كذلك و أخيراً تخليت تماماً عن الجميع و إنزويت في وحدتي و يجب علي أن أعيش الحقيقة بعد أن عشت حياتي كلها في كذب .

فن الرسم في الهند

صورة
يشمل التصوير الهندي فنون الهند وبورما وكمبوديا واندونيسيا ونيبال وسريلانكا وتايلاند ، وقد ارتبط الفن الهندي _ الذي ساد في هذه الاماكن كلها _ بالاديان المتعددة الموجودة فيها وهي : البوذية والهندوسية واليانية وغيرها ، ولهذا فقد كانت أغلب الموضوعات التي تناولها الفنانون في الهند تدور حول قصص الآلهة وقصص القديسين ، والصور الجدارية في كهف ( اوجانتا ) تمثل التصوير لعدة قرون ( ٢٠٠ ق.م _ ٦٠٠م ) ، والشخوص المرسومة ذات احجام كبيرة تعطي احساسا بالسيطرة والسيادة كتلك الصور التي توجد في المناظر التي تمثل حياة بوذا عندما كان لا يزال فيلآ ابيض كبيرآ في الهيمالايا .

من كتاب على مقهى الوجودية

صورة
إذا كان هذا هو الحال فمن الممكن إذن إنعاش منظورنا بإعادة النظر في الوجوديين أصحاب الجسارة و الحيوية فهم لم يعكفوا على اللعب بدوالهم بل أثاروا الأسئلة الكبرى عما يعنيه عَيش حياة بشرية أصيلة تماماً قُذِفت إلى عالم فيه بشر آخرون يحاولون العيش أيضاً كما أثاروا أسئلة عن الحرب النووية و كيف نسكن بيئتنا و أسئلة عن العنف و مصاعب إدارة العلاقات الدولية في الأوقات الخطرة و تاق العديد منهم إلى تغيير العالم فتساءلوا عن التضحيات التي قد نبذلها أو لا نبذلها من أجل هدف كهذا ، أما الوجوديون الملحدون فتساءلوا عن كيف نستطيع العيش بطريقة ذات معنى في غياب الله و كتبوا جميعهم عن القلق و تجربة الوجود الذي يفرض الإختيار في كل لحظة و هو إحساس صار أكثف من الماضي في مناطق من عالم القرن الحادي و العشرين تتمتع برفاهية نسبية بل في وقت تعطلت فيه خيارات العالم الحقيقي بشكل يثير قلق البعض منا ، كان الوجوديون قلقين بشأن المعاناة و اللامساواة و الإستغلال فتساءلوا عما إذا كان بالمستطاع عمل أي شيء بإزاء هذه الشرور و من ضمن هذه الأسئلة : تساءلوا عما يستطيع الأفراد عمله و ما يجب عليهم هم أنفسهم أن يقدموه ، تساءلوا أيض

الشارد و إغراءات المتاهة / دولوز و تاريخ الفلسفة

صورة
(كيث أنسيل بيرسون )  ترجمة : ربيع جواد  إن لحرف العطف " و " مهمة الربط التي لا يمكن اعتبارها بريئة أو مجرد توافق رومانسي . إنها علاقة على المحك دوما، هكذا هي الإشارة و اللعبة التي صنعها دولوز في نص " نيتشه و الفلسفة " حيث كل إمكانات فلسفته الحيوية تتجه لممانعة قوى و قيم الارتكاس . إن حديثنا عن دولوز يستلزم الانتباه إلى سؤال ارتباطاته بتاريخ الفلسفة و شكل قراءته لهذا التاريخ، يسعنا القول أنها قراءة فاعلة و قائمة على مهاجمة الهوية التاريخية للفلاسفة و نصوصهم عبر إقحامهم في مغامرات الصيرورة، لذلك تتحرك الفلسفة مع دولوز دوما في اتجاه خارج ما، تتيحه حركةالانفتاح على الكون و على صيرورة الفوضى الخلاقة و الواعدة . إن رشاقة دولوز مرتبطة بفن التفكير القائم على "البينيات" و " التماسات " التي تنسجها الفلسفة مع آخريها (السينما _الأدب_ السياسة_علم النفس..) ليكونَ وجودها المعاصر مقروناً بانمحاءاتها المتكررة. إذا أمكننا الحديث عن هوية دولوزية فإنها لن تكون إلا إرغامية، تنتدبُ المتباينات، ما يختلف و يتنافر بشكل مفارقاتي، يعمل على إنتاج و هندسة الا

فن الرسم الصيني

صورة
يطلق لفظ التصوير الصيني على فنون كل من الصين واليابان وكوريا ، ويرى كثير من المؤرخين أن فترة أسرة سونج ( ٩٦٠ _ ١٢٧٩م ) تعتبر قمة ما وصل اليه التصوير الصيني ، فقد تأثرت بها كل الفترات اللاحقة ، وهذا لا يعني أن التصوير الصيني قد بدأ في هذه الفترة ، فهناك أعمال فنية رائعة تعود الى ما قبل ٢٠٠٠ سنة . والفن الصيني لا يقلد الطبيعة ، وله أسلوب محدد ومبسط اتبعه كل الفنانين التقليديين في تلك البلاد حتى بداية القرن العشرين ، وبما أن كل المعتقدات الدينية الصينية ركزت على حب الطبيعة فإن الفنانين قد اهتموا بتصوير المناظر الطبيعية ، والطيور والزهور والجبال والبحار ، وقد استخدام كثير منهم اللون الاسود من دون غيره بدرجات مختلفة . واهتم المصورون الصينيون بلمسات الفرشاة ووضعها أكثر من اهتمامهم بالموضوع نفسه ، وصوروا لوحاتهم على الحرير ، وعلى المراوح الورقية والجدران ، واللوحة الصينية التقليدية تكون في شكل ملفوفة طويلة ، وعند المشاهدة يبدأ الناظر إليها بفتح الجزء الاول ثم يبدأ في لف الجزء الذي شاهده بيده اليمنى ويفتح الجزء الذي لم يشاهده بيده اليسرى حتى يكمل مشاهدة كل اللوحة . ويستعمل المصور الصيني ا

الوعيُ كمنفى " رؤية : إميل سيوران "

صورة
 - يقول سيوران : " من الأفضل أن أكون حيواناً بدل إنسان ، وحشرةً بدل حيوان ، ونبتةً بدل حشرة ، وهكذا دواليك.. ". إذا كان الإنسان الكائن الوحيد الذي يتميَّز بالعقل ، فإن سيوران يمقُت هذه الميزة ، لأن الوعي الذي يفرزه هذا العقل هو سرُّ الشقاء في هذه الحياة. يقول : "الجهل وطن و الوعيُ منفى". - الوعي لعنة مزمِنة ، كارثةٌ مهولة. الوعي هو الذي يجعلنا نُدرِك خُبثَ هذا العالم ، بمجرِّد أن نعي هذا العالم ، فإنه سرعان مايسبب لنا ذلك الوعي شقاءً مزمِناً. وكما يقول "المتنبي" : "ذو العقلِ يشقى في النعيم بعقلهِ...وأخو الجهالةِ في الشقاوة ينعمُ " - من على قمم العقل تبدو لنا الحياة كلها كمرضٍ عضالٍ والعالم كلمجأ مجانين. الوعي شرخٌ وخِلاف مع العالم. إنه ليس مجرّد شوكة ، بل خنجر مغروس في عمق الجسد. ألا يتوق الإنسان إلى العودة إلى الوضع الذي كان عليه قبل الوعي ؟ أليس الأطفال أكثر سعادةٍ غالباً من البالغين ؟ لنرفع الكؤوس على نخب الجهل ، لنسكر ، لنفلت من حالة الوعي !. ألا يقول لنا "باسكال" : "إن في قنينة النبيذ من الفلسفة مايفوق كل مافي الكتب&qu

التصوير التشكيلي الاغريقي

صورة
 نشأت مدرسة التصوير الاغريقي موازية للنحت في تطورها مرورآ بالدور الهندسي ثم الاصلاحي التقليدي ثم الطليعي ، والمعلومات عن التصوير الاغريقي مستمدة من الصور المرسومة على الأواني ومن الصور التي نقلها الرومان ، أما الصور الأصيلة فقد ذهبت جميعها بما فيها الصور الجدارية التي كانت تزين المباني العامة . ومن المصورين المشهورين في ذلك العصر ( بوليجنوتس ) في القرن الخامس ق.م الذي حاول أن يعبر عن البعد الثالث ( العمق ) بوضع الاشخاص فوق بعضهم بعضآ ، وكان مجال استعمال الالوان محدودآ ، وكان لهذا المصور رسوم في معبد (البرثنون) ومعبد ( أولمبيا ) . وهناك مصور آخر اسمه ( أبوللو دورس ) ويكنى بصانع الظلال ٤١٥ ق.م، ويبدو أن هذا المصور كان على معرفة بالظل فجسم الاشخاص في لوحاته حسب الاتجاه الطبيعي في ذلك العصر .

يغرنوط "أحد الآلهة الهندية"

صورة
ولقد كان من الممكن أن أجتنب وقوع العين عَليّ لو لم يزلَّ لوحيَ الغادر، من يدي، بطريقة ما، مُحدثاً قرقعة متطفلة لفتت إليّ جميع العيون في الحال. وأدركت الآن أن كل شيء قد انتهى، وبينما انحنيت لالتقاط قطعتيّ اللوح المكسور استجمعت قواي انتظاراً لما هو أسوأ. وكان ما خفتٌ أن يكون، فقال مستر بروكلهورست: «فتاة مهملة»! ثم أضاف بعد ذلك مباشرة: «إنها الطالبة الجديدة في ما أرى». وقبل أن أوفّق إلى أخذ نَفَسٍ، قال: «يجب أن لا أنسى أن لدي كلمة أودّ أن أقولها بشأنها» ثم أردف بصوت عال، وما أشدّ ما بدا لي صوته ذاك عالياً! «إيتي بالطفلة التي كسرت لوحها الحجري إلى هنا»! ولم يكن في وسعي أن أتحرّك من تلقاء نفسي. كنت قد أصبت بالشلل، ولكن الفتاتين الكبيرتين اللتين جلستا إلى جانبي أنهضتاني على قدميّ ودفعتاني نحو القاضي الرهيب، ومن ثم أخذت مس تامبل بيدي في رفق وساعدتني على المثول بين يديه، فسمعتها تهمس في أذني قائلة : ‐ «لا تجزعي يا جين، لقد رأيت أن ذلك كان مجرّد مصادفة. إنكِ لن تعاقبي». ونفذت الهمسة الشفوق إلى فؤادي مثل خنجر. وقلت في ذات نفسي: ‐ « لن تنقضي دقيقة أخرى حتى تعتبرني فتاة مرائية وتنظر إلي

التصوير التشكيلي المصري القديم

صورة
 يعود تاريخ أقدم تصوير تشكيلي الى ما قبل ٥٠٠٠ سنة بقليل ، وقد طور قدماء المصريين أسلوبآ خاصآ بهم ومميزآ لهم زينوا به معابدهم وقصورهم ومقابرهم ، فقد صوروا الاشخاص صورآ جانبية ، ورتبوا الناس حسب وظائفهم ، فكلما علت رتبة الشخص كبر حجمه في الصورة ، وقد زينوا مقابرهم بصور كبيرة ، حيث نرى أمثلة رائعة للتصوير والزخرفة في جميع المقابر وعلى جدران المعابد والوديان ، ومعظم هذه التصاوير تظهر بارزة وملونة ، إذ إنها كانت تعتمد في ذلك العصر على خطوط صريحة قوية قليلة الانحناءات . ولم يظهر التصوير في ذلك العصر مستقلآ عن الحفر البارز أو الغائر إلا في أمثلة قليلة ، منها صورة الإوزات الست ، وكانت الالوان التي يستعملونها الاصفر والاحمر والازرق والاخصر والاسمر والابيض والاسود ، وبعض هذه الالوان نباتي كالنيلي ، وبعضها معدني كاللون الازرق الذي احتفظ برونقه وبهائه طوال هذه القرون .

مُقْتَطَف من رائعة أحدب نوتردام / ڤيكتور هوجو

صورة
 الصُّورة للأحدب كوازيمودو قارع أجراس كنيسة نوتردام في فرنسا-باريس كان القاضي مصاباً بالصَّمم ، وهذا نقصٌ غير خطير ! والثَّابت يوْمذاك أنَّ في إصغاء القاضي ما يكفي للقيام بوظيفته . وقد كان قاضينا المحترم يقوم بهذه الوظيفةِ خيرُ قيام ، فالمهم ألا يُشغَلَ بأيَّة ضجَّةٍ عمَّا ينصرف إليه من محاكمة النَّاس . ــ ( انتبه ، يا روبان ! ما هذا الذي يُدخلونه؟! إنَّه خنزيرٌ برِّي ! إنَّهُ أحدب نوتردام ! إنَّهُ كوازيمودو ! ) صاحَ جوهان الذي كان حاضراً في المحكمة . والحقّ أنَّهُ لم يكُن غير كوازيمودو ، مقيَّداً مجروراً وتحت حراسةٍ جيِّدة ، ولم يكُن فيه شيءٌ يُلفتُ النَّظر غير بشاعته التي وحدها مَنْ يبرِّر جلبهُ إلى المحكمة . كان قاتماً صامتاً مطمئنَّاً ، فلا تكاد عينُه الوحيدة تُلقي نظراتها السَّاخرة الغاضبة فوق الأربطة التي تثبِّته . في هذه الأثناء كان القاضي يتصفَّح ملف الشَّكوى المقدَّمة ضد كوازيمودو الأحدب ، ثم لم يلبث أن بدا في هيئة المتبتّل المستغرِق في تفكيره . وبفضل هذا الإحتياط استطاع دائماً أن يعرف اسم المتَّهم وصفته وعمره ويهيء الأسئلة المنتَظرة والإجابات في حدود ما يتخيَّلها ، وهك

الزلة / الدكتور يوجين ج. ماهون

صورة
زلات اللسان ... أسبقية شكسبير لفرويد يفترض أن يكون هاملت قد عاش قبل 300 سنة من فرويد ـ في مخيلة كاتب المسرحية ـ الا أنه يبدو مرتكبا لما يسمى زلة ، أو خطأ فرويديا ، وهذه الزلة ، كما يقول أحد كبار المحللين النفسيين ، تلقي أضواء على النقطة الاكثر ظلاما في عقله وتبرز عبقرية وليام شكسبير في وصف الحياة الداخلية للمرء. الدكتور يوجين ج. ماهون ، المحلل المدرب في كلية كولومبيا للاطباء والجراحين تحدث عن اكتشافه هذا في إحدى المجلات النفسية المتخصصة السنوية التي تنشر مواضيع حول آخر الافكار والنظريات التحليلية النفسية لمختلف المواضيع. هاملت أحد أشهر الابطال الشكسبيريين، يرتكب الزلة في أول مناجاة لنفسه. ففي تحسره على زواج والدته السريع من عمه بعد شهر واحد من وفاة والده يتمتم أمير الدانمرك ، ولكن مضى شهران على وفاته ! لا ليس هذه المدة ،ليس شهرين. لماذا يقول شهرين ، بدلا من شهر واحد ،ثم يصحح نفسه فورا؟ يرد ماهون أن السبب هو أن هاملت في خياله الاوديبي اللاواعي قتل والده قبل شهر من إقدام عمه على قتله فعلا. و في مسرحية (يوليوس قيصر) على سبيل المثال عثر على ذكرى خاطئة في الفقرة التي يتجادل فيها بر

عالم جديد شجاع / ألدوس هكسلي

صورة
يقولون: إنَّ الخوف من الموت، وما يتبعه هو ما يلجئ الناس إلى الدين، كلما تقدّموا في العمر، ولكن من تجربتي أيقنت أنّه بجانب شعور الرعب، أو التخيلات الميتافيزيقية؛ فإنَّ الشعور الديني ينمو بداخلنا مع تقدمنا في العمر؛ لأنّه مع هدأة العواطف واستقرار الأحاسيس وصعوبة استثارة الهوى والنزوات يصبح العقل أكثر قدرة على إعمال الفكر دون مشاكل، ولا تشوش تسببه الصور والخيالات والرغبات والإلهاءات التي كان مستغرقاً فيها من قبل، وعندئذ يتجلّى له الرب كأنّما يخرج عليه من وراء سحابة، فتشعر به روحه وتراه فتتزكى وتتوجه إلى مصدر كل ضياء، تتوجّه إليه فطرياً لا مندوحة لها عنه الآن، وقد بدأ يتلاشى كل ما كان يعطي الحيوية والسحر لعالم الأحاسيس تاركاً إيّانا في خواء، الآن وقد أصبح الوجود المحسوس لا داعم له من الانطباعات الداخلية أو الخارجية شعرنا بحاجتنا للارتكان إلى ثابت، إلى كيان لا يتلاعب بنا ولا يغشنا، إلى واقع راسخ، إلى حقيقة مطلقة أزلية أبدية. نعم ؛ إِنّنا في النهاية نتجه إلى الرب لا محالة، وتلك العاطفة الدينية شديدة النقاء في طبيعتها شافية ومبهجة للروح التي تذوق حلاوتها، حتى إنّها تعوضها عن كل فقَد . 

الفلسفة البراجماتية

صورة
الفلسفة البراجماتية اسم يطلق على عدد من الفلسفات التي تشترك في مبدأ عام وهو أن صحة الفكرة تعتمد على ماتؤديه هذه الفكرة من نفع، أو على ماتؤدي إليه من نتائج عملية ناجحة في الحياة. وقد ظهرت هذه الفلسفة في الولايات المتحدة الأمريكية أواخر القرن التاسع عشر، وكان أول من أطلق عليها اسم البراجماتية؛ هو الفيلسوف الأمريكي تشارلز بيرس. وقد طورها بعد ذلك الفيلسوف وليام جيمس. ثم جاء الفيلسوف جون ديوي محاولا أن يضع منطقا للتفكير البراجماتي، وأن يفتح له مجالات عديدة للتطبيق. ولكن على الرغم من اتفاق الفلاسفة البراجماتيين على مبدأ ارتباط صحة الفكرة بنتائجها العملية، فهم على خلاف فيما بينهم حول النتائج العملية التي تعد مرضية وتكون معيارا للصدق والحقيقة. وهذا الاختلاف هو مايميز الأنماط الرئيسية التالية للبراجماتية : البراجماتية الإنسانية : وترى أن كل مايحقق الأغراض والرغبات الإنسانية فهو حق، وقد أخذ بهذا الموقف كلا من وليام جيمس في أمريكا، وفريدريك شيلر في انجلترا. البراجماتية التجريبية : وترى أن الحق هو مايؤدي إلى عمل، بمعنى مايكون متحققا بصورة تجريبية. البراجماتية الاسمية : ترى أن نتائج الأفكار ه

أوكتافيو باث / جـدليـّة العـزلـة

صورة
 يمثل الجنين، وهو وحيد في العالم المحيط به، حياةً خالصة، حياة في حالتها الخام، تدفقا جاهلا بذاته. حينما نولد، نقطع الصلات التي تربطنا بالحياة العمياء، التي عشناها في رحم الأم، حيث لا فاصل هناك بين الرغبة والإشباع. فإحساسنا بالحياة يعبر عنه كانفصال وقطيعة، كتيه وسقوط في بيئة معادية وغريبة. وبقدر ما ننمو، بقدر ما يتحول هذا الإحساس البدائي إلى شعور بالعزلة، وبعد ذلك إلى وعي: فنحن محكومون بالعيش في عزلة، لكننا محكومون أيضا بتجاوز عزلتنا واستعادة الصلات، التي كانت تربطنا بالحياة في ماض فردوسي. كل جهودنا تسعى إلى محو العزلة. هكذا يملك الإحساس بالعزلة دلالة مزدوجة: فمن جهة يدل على الوعي بالذات، ويدل من جهة أخرى على الرغبة في الخروج من الذات. إن العزلة، وهي شرط حياتنا، تبدو لنا كامتحان وتطهر، وفي نهايتها يختفي القلق والتيه. فالامتلاء والاجتماع، وهما راحة وسكينة وانسجام مع العالم، ينتظراننا في نهاية متاهة العزلة. إن اللغة الشعبية تعكس هذه الازدواجية، بمطابقتها بين العزلة والحزن. أحزان الحب هي أحزان عزلة، فالمشاركة والعزلة والرغبة في الحب تتعارض وتتكامل. وقدرة العزلة على الإنقاذ تكشف عن فكر

العقل / ديفيد هيوم

صورة
 يرى هيوم أن العقل يتألف من إدراكات حسية : انطباعات و أفكار. الانطباعات هي مانطلق عليه إجمالا اسم الإحساسات والمشاعر والانفعالات، والأفكار هي مانسميه الخواطر العقلية. الأولى قوية مفعمة بالحياة، والثانية ليست غير نسخ باهتة عن الأولى. - الانطباعات نوعان : انطباعات الحس الأولية وتنشأ في الروح عن علل مجهولة، وانطباعات التفكير الثانوية التي تنشأ نتيجة لأفكارنا. فالنفور مثلا ينشأ عن فكرة الألم، وهذه بدورها نسخة لانطباع الألم الأولي. - الأفكار نوعان : بسيطة و مركبة، الأفكار البسيطة نسخ من الانطباعات البسيطة. والأفكار المركبة مزيج من الأفكار البسيطة، ولا يتحتم أن تعكس أي مزيج فعلي من الانطباعات، وإذا فعلت ذلك كانت مجرد تذكرات، أي أننا مثلا نستطيع أن نفكر في ( التنين ) وفي أشياء أخرى لم ندركها قط. فأفكارنا المركبة جميعا تبنى من أفكار أبسط مشتقة من الانطباعات. يقول هيوم أن قولنا هذا لايختلف عن قولنا بأن ليس ثمة أفكار فطرية، فأفكارنا جميعا مستمدة من التجربة، وموضوعات أفكارنا مقصورة على ماقد وقع لنا في الخبرة، أو مانتصور أنه قد يقع لنا فيها بواسطة الحواس أو الشعور الباطني.  

 ألبير كامو.. مقتطفات من كتاب أسطورة سيزيف

صورة
 ليست هناك إلا مشكلة فلسفية هامة واحدة ألا وهي مشكلة الانتحار. فالحكم عما إذا كانت الحياة جديرة بأن تعاش أم لا، إنما يرتفع إلى الجواب على المسألة الأساسية في الفلسفة وتأتي كل مسألة أخرى بعد ذلك. فإذا سألت نفسي كيف يمكنني أن أحكم بأن هذا السؤال أكثر أهمية من غيرها، فإنني أجيب بأن المرء يحكم عن طريق الأفعال التي تستتبع منه. عمري ما شاهدت إنسانًا ينتحرُ من أجل البحث الأنطولوجي. وإن جالليو الذي ذكر حقيقة علمية ذات أهمية كبيرة، نبذها بمنتهى السهولة حالما تعرضت حياته للخطر. وبمعنى ما من المعاني، حسنًا فعل. وما كانت هذه الحقيقة تستحق عناء المخاطرة. فسواء كانت الأرض هي التي تدور حول الشمس أو الشمس هي التي تدور حول الأرض فهي مسألة من قبيل عدم الاكتراث العميق. بل يمكننا أن نقول إنها مسألة عقيمة. ومن جهة أخرى أرى، أناسًا كثيرين يموتون بسبب أن الحياة عندهم تستحق أن تعاش. وأرى آخرين يذهبون ضحية القتل بسبب الأفكار أو الأوهام التي تزودهم بسبب كاف للحياة (وما يقال عنه سبب كاف للحياة هو سبب رائع للموت) ولهذا فإنني أخلص إلى أن معنى الحياة هو أهم مسألة تثير الإلحاح. -لم يحدث من قبل أن درس الانتح

ذكرى ميلاد صمويل باركلي بيكيت / توم درايفر

صورة
 اليوم تحلُ ذكرى ميلاد صمويل باركلي بيكيت من النافذة الشاسعة التي لا تطل على شيء، وقد تطل على كل شيء، يمكن أن نلتقي بيكيت، فمسرح بيكيت هو مسرح الوحدة، وحدة الإنسان إزاء مصيره وقدريته، وإزاء عالم فقده وفردوس يتفقد موته باستمرار. كل شخصيات بيكيت وحيدة تعيش في مونولوج أبدي، حتى الحوار عندها يُفضي إلى المونولوج. إلى الصمت. والرفقة ذاتها تعبير عن الوحدة، أكثر مما هي تعبير عن اللقاء. كأن شقاء الإنسان كفرد ربما، يحتاج أحياناً إلى شاهد. ولا معقولية الوجود، تحتاج أحياناً إلى شاهد. أنه يجسد العجز المطلق، للانتظار، وتالياً اللا انتظار. فلماذا البحث عن أحداث جديدة أو عن شخصيات جديدة أو عن كلام أكثر، ما دامت المواصفات والأزمنة والأمكنة متشابهة، بل ما دامت الأشياء تتنفس في عدميتها النهائية. هذه العدمية النهائية كأنها القدرية الطائشة الملتبسة، التي تفقد الإنسان إمكانية أن يقرر أو يختار أو أن يلتزم حرية أو درباً جديداً، إنه اليأس! ربما. العجز! ربما. الشروط الإنسانية الفاسدة في جواهرها! ربما. وعندما تموت الأفكار، وتبتئس العواطف. فأية حركة تجدي، وأي جسد يجدي، الوحدة؟ في أقصى دركاتها، في أسفل دهالي

موت سقراط

صورة
من أغرب الأشياء أن العمل القاسي الوحيد الذي ارتكبته الديمقراطية بعد عودتها، قد ارتكبته مع فيلسوف طاعن في السن تحول سنوه السبعون بينه وبين القيام بأي عمل يضر الدولة. ولكن كان بين زعماء الحزب المنتصر أنيتوس الذي هدد قبل عدة سنين من ذلك الوقت بأن ينتقم لنفسه من سقراط لبعض إهانات لحقته من جدله، ولأن الفيلسوف "أفسد" ابنه. وكان أنيتوس هذا رجلاً صالحاً، حارب ببسالة تحت إمرة ثرازيبولس، وأنقذ حياة بعض من أسرهم جنوده من الألجركيين. وكانت له يد في إصدار العفو العام؛ وسمح للذين ابتاعوا أملاكهم، بعد أن صادر الثلاثون الأملاك، أن يستبقوها لأنفسهم لا ينازعهم فيها منازع. ولكنه لم يحتفظ بهذه الصفات الكريمة في معاملته لسقراط. فهو لم ينس أن ابنه بقي مع سقراط وصار سكيراً عربيداً بعد أن ذهب هو إلى منفاه ؛ وبدا له أن تأثير سقراط في الأخلاق وفي السياسة أسوأ من تأثير أي سوفسطائي آخر، وأنه يقوض دعائم العقيدة الدينية التي كانت تستند إليها الأخلاق، وأن انتقاداته الدائمة كانت تضعف إيمان الأثينيين المتعلمين في الأنظمة الديمقراطية . وبدا لأنيتوس أن من الخير أن يخرج سقراط من أثينة أو أن يموت. موت سق